ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ ابْنِ بُوَيْهِ عَلَى أَرَّجَانَ وَغَيْرِهَا، وَمِلْكِ مَرْدَاوَيْجَ أَصْبَهَانَ
لَمَّا بَلَغَ خَبَرُ الْوَقْعَةِ إِلَى مَرْدَاوَيْجَ، خَافَ عِمَادُ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ، فَشَرَعَ فِي إِعْمَالِ الْحِيلَةِ، فَرَاسَلَهُ يُعَاتِبُهُ وَيَسْتَمِيلُهُ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُظْهِرَ طَاعَتَهُ حَتَّى يَمُدَّهُ بِالْعَسَاكِرِ الْكَثِيرَةِ ; لِيَفْتَحَ بِهَا الْبِلَادَ، وَلَا يُكَلِّفُهُ سِوَى الْخُطْبَةِ لَهُ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَسْتَوْلِي عَلَيْهَا.
فَلَمَّا سَارَ الرَّسُولُ، جَهَّزَ مَرْدَاوَيْجُ أَخَاهُ وَشْمَكِيرَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ لِيَكْبِسَ ابْنَ بُوَيْهِ، وَهُوَ مُطْمَئِنٌّ إِلَى الرِّسَالَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، فَعَلِمَ ابْنُ بُوَيْهِ بِذَلِكَ، فَرَحَلَ عَنْ أَصْبَهَانَ بَعْدَ أَنْ جَبَاهَا شَهْرَيْنِ، وَتَوَجَّهَ إِلَى أَرَّجَانَ، وَبِهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ يَاقُوتٍ، فَانْهَزَمَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَقَصَدَ رَامَهُرْمُزَ، وَاسْتَوْلَى ابْنُ بُوَيْهِ عَلَى أَرَّجَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَلَمَّا سَارَ عَنْ أَصْبَهَانَ دَخَلَهَا وَشْمَكِيرُ وَعَسْكَرُ أَخِيهِ مَرْدَاوَيْجَ وَمَلَكُوهَا، فَلَمَّا سَمِعَ الْقَاهِرُ أَرْسَلَ إِلَى مَرْدَاوَيْجَ قَبْلَ خَلْعِهِ لِيَمْنَعَ أَخَاهُ عَنْ أَصْبَهَانَ وَيُسَلِّمُهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَاقُوتٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَوَلِيَهَا مُحَمَّدٌ.
وَأَمَّا ابْنُ بُوَيْهِ فَإِنَّهُ لَمَّا مَلَكَ أَرَّجَانَ، اسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَمْوَالًا فَقَوِيَ بِهَا، وَوَرَدَتْ عَلَيْهِ كُتُبُ أَبِي طَالِبٍ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّوْبَنْدَجَانِيِّ يَسْتَدْعِيهِ، (وَيُشِيرُ عَلَيْهِ) بِالْمَسِيرِ إِلَى شِيرَازَ، وَيُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ يَاقُوتٍ وَأَصْحَابِهِ، وَيُعَرِّفُهُ تَهَوُّرَهُ، وَاشْتِغَالَهُ بِجِبَايَةِ الْأَمْوَالِ، وَكَثْرَةَ مَئُونَتِهِ وَمَئُونَةِ أَصْحَابِهِ، وَثِقَلَ وَطْأَتِهِمْ عَلَى النَّاسِ، مَعَ فَشَلِهِمْ وَجُبْنِهِمْ، فَخَافَ ابْنُ بُوَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ يَاقُوتًا مَعَ كَثْرَةِ عَسَاكِرِهِ وَأَمْوَالِهِ، وَيَحْصُلَ بَيْنَ يَاقُوتٍ وَوَلَدِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ مَشُورَتَهُ، وَلَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَانِهِ، فَعَادَ أَبُو طَالِبٍ وَكَتَبَ إِلَيْهِ يُشَجِّعُهُ، وَيُعْلِمُهُ أَنَّ مَرْدَاوَيْجَ قَدْ كَتَبَ إِلَى يَاقُوتٍ يَطْلُبُ مُصَالَحَتَهُ، فَإِنْ تَمَّ ذَلِكَ اجْتَمَعَا عَلَى مُحَارَبَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِمَا طَاقَةٌ، وَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ الرَّأْيَ لِمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ أَنْ يُعَاجِلَ مَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يَنْتَظِرَ بِهِمُ الِاجْتِمَاعَ وَالْكَثْرَةَ، وَأَنْ يُحْدِقُوا بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَإِنَّهُ إِذَا هَزَمَ مَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ، خَافَهُ الْبَاقُونَ، وَلَمْ يَقْدُمُوا عَلَيْهِ.
وَلَمْ يَزَلْ أَبُو طَالِبٍ يُرَاسِلُهُ إِلَى أَنْ سَارَ نَحْوَ النُّوَبَنْدِجَانِ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ إِحْدَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute