لَمَّا مَلَكَ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيُّ الْعَرَبَ وَقَتَلَ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ قُبَاذُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَلِكِ الَّذِي كَانَ قَبْلَكَ عَهْدٌ، وَأُحِبُّ لِقَاءَكَ، وَكَانَ قُبَاذُ زِنْدِيقًا يُظْهِرُ الْخَيْرَ وَيَكْرَهُ الدِّمَاءَ وَيُدَارِي أَعْدَاءَهُ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْحَارِثُ وَالْتَقَيَا وَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ لَا يَجُوزَ الْفُرَاتَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَطَمِعَ الْحَارِثُ الْكِنْدِيُّ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَقْطَعُوا الْفُرَاتَ وَيُغِيرُوا عَلَى السَّوَادِ، فَسَمِعَ قُبَاذُ فَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ تَحْتِ يَدِ الْحَارِثِ، فَاسْتَدْعَاهُ فَحَضَرَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ لُصُوصًا مِنَ الْعَرَبِ صَنَعَتْ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ وَلَا أَسْتَطِيعُ ضَبْطَ الْعَرَبِ إِلَّا بِالْمَالِ وَالْجُنُودِ. وَطَلَبُ مِنْهُ شَيْئًا مِنَ السَّوَادِ، فَأَعْطَاهُ سِتَّةَ طَسَاسِيجَ.
وَأَرْسَلَ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى تُبَّعٍ، وَهُوَ بِالْيَمَنِ، يُطْمِعُهُ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ، فَسَارَ تُبَّعٌ حَتَّى نَزَلَ الْحِيرَةَ، وَأَرْسَلَ ابْنَ أَخِيهِ شَمِرًا ذَا الْجَنَاحِ إِلَى قُبَاذَ، فَحَارَبَهُ فَهَزَمَهُ شَمِرُ حَتَّى لَحِقَ بِالرَّيِّ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ بِهَا فَقَتَلَهُ، ثُمَّ وَجَّهَ تُبَّعُ شَمِرًا إِلَى خُرَاسَانَ، وَوَجَّهَ ابْنَهُ حَسَّانَ إِلَى السُّغْدِ، وَقَالَ: أَيُّكُمَا سَبَقَ إِلَى الصِّينِ فَهُوَ عَلَيْهَا، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَيْشٍ عَظِيمٍ، يُقَالُ: كَانَا فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا.
وَأَرْسَلَ ابْنَ أَخِيهِ يَعْفُرَ إِلَى الرُّومِ، فَنَزَلَ عَلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَأَعْطَوْهُ الطَّاعَةَ وَالْإِتَاوَةَ، وَمَضَى إِلَى رُومِيَّةَ فَحَاصَرَهَا فَأَصَابَ مَنْ مَعَهُ طَاعُونٌ، فَوَثَبَ الرُّومُ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُمْ وَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
وَسَارَ شِمْرٌ ذُو الْجَنَاحِ إِلَى سَمَرْقَنْدَ فَحَاصَرَهَا، فَلَمْ يَظْفَرْ بِهَا، وَسَمِعَ أَنَّ مَلِكَهَا أَحْمَقُ وَأَنَّ لَهُ ابْنَةً، وَهِيَ الَّتِي تَقْضِي الْأُمُورَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا هَدِيَّةً عَظِيمَةً، وَقَالَ لَهَا: إِنَّنِي إِنَّمَا قَدِمْتُ لِأَتَزَوَّجَ بِكِ وَمَعِي أَرْبَعَةُ آلَافِ تَابُوتٍ مَمْلُوءَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً وَأَنَا أَدْفَعُهَا إِلَيْكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute