وَأَمْضِي إِلَى الصِّينِ، فَإِنْ مَلَكْتُ كُنْتِ امْرَأَتِي وَإِنْ هَلَكْتُ كَانَ الْمَالُ لَكِ.
فَلَمَّا بَلَغَتْهَا الرِّسَالَةُ قَالَتْ: قَدْ أَجَبْتُهُ فَلْيَبْعَثِ الْمَالَ، فَأَرْسَلَ أَرْبَعَةَ آلَافِ تَابُوتٍ فِي كُلِّ تَابُوتٍ رَجُلَانِ. وَلِسَمَرْقَنْدَ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ، وَلِكُلِّ بَابِ أَلْفَا رَجُلٍ، وَجَعَلَ الْعَلَامَةَ بَيْنَهُمَا أَنْ يَضْرِبَ بِالْجَرَسِ، فَخَرَجُوا وَمَلَكُوا الْأَبْوَابَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فَقَتَلَ أَهْلَهَا وَحَوَى مَا فِيهَا، وَسَارَ إِلَى الصِّينِ فَهَزَمَ التُّرْكَ وَدَخَلَ بِلَادَهُمْ وَلَقِيَ حَسَّانَ بْنَ تُبَّعٍ قَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَأَقَامَا بِهَا حَتَّى مَاتَا، وَكَانَ مَقَامُهُمَا فِيمَا قِيلَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً.
وَقِيلَ: عَادَا فِي طَرِيقِهِمَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى تُبَّعٍ بِالْغَنَائِمِ وَالسَّبْيِ وَالْجَوَاهِرِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا جَمِيعًا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَمَاتَ تُبَّعٌ بِالْيَمَنِ فَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنَ الْيَمَنِ غَازِيًا بَعْدَهُ.
وَكَانَ مُلْكُهُ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقِيلَ تَهَوَّدَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ تُبَّعٌ الْآخَرُ، وَهُوَ تُبَّانُ أَسْعَدَ أَبُو كَرِبٍ، حِينَ أَقْبَلَ مِنَ الْمَشْرِقِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ الْبِلَادَ جَعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ حِينَ مَرَّ بِهَا فِي بِدَايَتِهِ لَمْ يَهِجْ أَهْلَهَا، وَخَلَّفَ عِنْدَهُمُ ابْنًا لَهُ فَقُتِلَ غِيلَةً، فَقَدِمَهَا عَازِمًا عَلَى تَخْرِيبِهَا وَاسْتِئْصَالِ أَهْلِهَا، فَجَمَعَ لَهُ الْأَنْصَارُ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ وَرَئِيسُهُمْ عَمْرُو بْنُ الطَّلَّةِ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ وَخَرَجُوا لِقِتَالِهِ، وَكَانُوا يُقَاتِلُونَهُ نَهَارًا وَيُقِرُّونَهُ لَيْلًا. فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ حَبْرَانِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ عَالِمَانِ، فَقَالَا لَهُ: قَدْ سَمِعْنَا مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ، وَإِنَّكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا ذَلِكَ حِيلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَلَمْ نَأْمَنْ عَلَيْكَ عَاجِلَ الْعُقُوبَةِ. فَقَالَ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ فَقَالَا: إِنَّهَا مُهَاجَرُ نَبِيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ تَكُونُ دَارَهُ. فَانْتَهَى عَمَّا كَانَ يُرِيدُ وَأَعْجَبَهُ فَاتَّبَعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا، وَاسْمُهُمَا كَعْبٌ وَأَسَدٌ، وَكَانَ تُبَّعٌ وَقَوْمُهُ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ.
وَسَارَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَهِيَ طَرِيقُهُ، فَكَسَا الْكَعْبَةَ الْوَصَائِلَ وَالْمِلَاءَ، وَكَانَ أَوَّلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute