وَمَنِ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، ضَرَبَهُ الدَّيْلَمُ بِالْمُقَارِعِ حَتَّى يُطِيعَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِمْ، وَكَانَتْ صُورَةً قَبِيحَةً، يَأْنَفُ مِنْهَا أَحْقَرُ النَّاسِ.
ثُمَّ رَكِبَ هُوَ بِنَفْسِهِ مَعَ خَاصَّتِهِ، وَهُوَ يَتَوَعَّدُ الْأَتْرَاكَ، حَتَّى صَارَ إِلَى دَارِهِ قُرْبَ الْعِشَاءِ، وَكَانَ قَدْ ضَرَبَ قَبْلَ ذَلِكَ جَمَاعَةً مِنْ أَكَابِرِ الْغِلْمَانِ الْأَتْرَاكِ، فَحَقَدُوا عَلَيْهِ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَلَمْ يَجِدُوا أَعْوَانًا، فَلَمَّا جَرَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ انْتَهَزُوا الْفُرْصَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا وَجْهُ صَبْرِنَا عَلَى هَذَا الشَّيْطَانِ؟ فَاتَّفَقُوا وَتَحَالَفُوا عَلَى الْفَتْكِ بِهِ، فَدَخَلَ الْحَمَّامَ، وَكَانَ كُورَتِكِينُ يَحْرُسُهُ فِي خَلَوَاتِهِ وَحَمَّامِهِ، فَأَمَرَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَنْ لَا يَتْبَعَهُ، فَتَأَخَّرَ عَنْهُ مُغْضَبًا، وَكَانَ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ الْحَرَسَ، فَلِشِدَّةِ غَضَبِهِ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا أَنْ يَحْضُرَ حِرَاسَتَهُ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ.
وَكَانَ لَهُ أَيْضًا خَادِمٌ أَسْوَدُ يَتَوَلَّى خِدْمَتَهُ بِالْحَمَّامِ، فَاسْتَمَالُوهُ فَمَالَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا لِلْخَادِمِ: أَلَا يَحْمِلُ مَعَهُ سِلَاحًا؟ ، وَكَانَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ خِنْجَرًا طُولُهُ نَحْوَ ذِرَاعٍ مَلْفُوفًا فِي مَنْدِيلٍ، فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِلْخَادِمِ قَالَ: مَا أَجْسَرَ؛ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ كَسَرُوا حَدِيدَ الْخِنْجَرِ، وَتَرَكُوا النِّصَابَ فِي الْغِلَافِ بِغَيْرِ حَدِيدٍ، فَلَفُّوهُ فِي الْمَنْدِيلِ كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ لِئَلَّا يُنْكِرَ الْحَالَ.
فَلَمَّا دَخَلَ مَرْدَاوَيْجُ الْحَمَّامَ، فَعَلَ الْخَادِمُ مَا قِيلَ لَهُ، وَجَاءَ خَادِمٌ آخَرُ وَهُوَ أُسْتَاذُ دَارِهِ، (فَجَلَسَ عَلَى بَابِ الْحَمَّامِ، فَهَجَمَ الْأَتْرَاكُ إِلَى الْحَمَّامِ، فَقَامَ أُسْتَاذُ دَارِهِ) لِيَمْنَعَهُمْ، وَصَاحَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ بَعْضُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ يَدَهُ، فَصَاحَ بِالْأَسْوَدِ وَسَقَطَ، وَسَمِعَ مَرْدَاوَيْجُ الضَّجَّةَ، فَبَادَرَ إِلَى الْخِنْجَرِ لِيَدْفَعَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَوَجَدَهُ مَكْسُورًا، فَأَخَذَ سَرِيرًا مِنْ خَشَبٍ كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ إِذَا اغْتَسَلَ، فَتَرَسَ بِهِ بَابَ الْحَمَّامِ مِنْ دَاخِلٍ، وَدَفَعَ الْأَتْرَاكُ الْبَابَ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى فَتْحِهِ، فَصَعِدَ بَعْضُهُمْ إِلَى السَّطْحِ، وَكَسَرُوا الْجَامَاتِ، وَرَمَوْهُ بِالنُّشَّابِ، فَدَخَلَ الْبَيْتَ الْحَارَّ، وَجَعَلَ يَتَلَطَّفَهُمْ وَيَحْلِفُ لَهُمْ عَلَى الْإِحْسَانِ، فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، وَكَسَرُوا بَابَ الْحَمَّامِ وَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute