للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ الَّذِينَ أَلَّبُوا النَّاسَ عَلَيْهِ وَشَرَعُوا فِي قَتْلِهِ تُوزُونُ، وَهُوَ الَّذِي صَارَ أَمِيرَ الْعَسَاكِرِ بِبَغْدَاذَ وَيَارُوقُ، وَابْنُ بِغِرَا، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَنَالَ التُّرْجُمَانُ، وَوَافَقَهُمْ بُجْكُمُ، وَهُوَ الَّذِي وَلِيَ أَمْرَ الْعِرَاقِ قَبْلَ تُوزُونَ، وَسَيَرِدُ ذِكْرُ ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَلَمَّا قَتَلُوهُ بَادَرُوا فَأَعْلَمُوا أَصْحَابَهُمْ، فَرَكِبُوا وَنَهَبُوا قَصْرَهُ وَهَرَبُوا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمُ الدَّيْلَمُ ; لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانُوا قَدْ دَخَلُوا الْمَدِينَةَ لِيَلْحَقَ بِهِمْ، وَتَخلَفَ الْأَتْرَاكُ مَعَهُ لِهَذَا السَّبَبِ.

فَلَمَّا عَلِمَ الدَّيْلَمُ وَالْجِيلُ، رَكِبُوا فِي أَثَرِهِمْ، فَلَمْ يُلْحِقُوا مِنْهُمْ إِلَّا نَفَرًا يَسِيرًا وَقَفَتْ دَوَابُّهُمْ، فَقَتَلُوهُمْ، وَعَادُوا لِيَنْهَبُوا الْخَزَائِنَ، فَرَأَوُا الْعَمِيدَ قَدْ أَلْقَى النَّارَ فِيهَا، فَلَمْ يَصِلُوا إِلَيْهَا، فَبَقِيَتْ بِحَالِهَا.

وَمِنْ عَجِبَ مَا يُحْكَى أَنَّ الْعَسَاكِرَ (فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمَّا رَأَوْا غَضَبَ مَرْدَاوَيْجَ) ، قَعَدُوا يَتَذَاكَرُونَ مَا هُمْ فِيهِ مَعَهُ مِنَ الْجَوْرِ، وَشِدَّةِ عُتُوِّهِ، وَتَمَرُّدِهِ عَلَيْهِمْ، وَدَخَلَ بَيْنَهُمْ رَجُلٌ شَيْخٌ لَا يَعْرِفُهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَهُوَ رَاكِبٌ، فَقَالَ: قَدْ زَادَ أَمْرُ هَذَا الْكَافِرِ، وَالْيَوْمَ تُكَفِّنُونَهُ وَيَأْخُذُهُ اللَّهُ، ثُمَّ سَارَ، فَلَحِقَتِ الْجَمَاعَةُ دَهْشَةٌ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ، وَمَرَّ الشَّيْخُ، فَقَالُوا: الْمَصْلَحَةُ أَنَّنَا نَتْبَعُهُ وَنَأْخُذُهُ وَنَسْتَعِيدُهُ الْحَدِيثَ، لِئَلَّا يَسْمَعَ مَرْدَاوَيْجُ مَا جَرَى، فَلَا نَلْقَى مِنْهُ خَيْرًا، فَتَبِعُوهُ فَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا.

وَكَانَ مَرْدَاوَيْجُ قَدْ تَجَبَّرَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ وَعَتَا، وَعُمِلَ لَهُ كُرْسِيًّا مِنْ ذَهَبٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ، وَعُمِلَ كَرَاسِيُّ مِنْ فِضَّةٍ يَجْلِسُ عَلَيْهَا أَكَابِرُ قُوَّادِهِ، وَكَانَ قَدْ عَمِلَ تَاجًا مُرَصَّعًا عَلَى صِفَةِ تَاجِ كِسْرَى، وَقَدْ عَزَمَ عَلَى قَصْدِ الْعِرَاقِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَبِنَاءِ الْمَدَائِنِ وَدَوْرِ كِسْرَى وَمَسَاكِنِهِ، وَأَنْ يُخَاطَبَ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِشَاهِنْشَاهْ، فَأَتَاهُ أَمْرُ اللَّهِ وَهُوَ غَافِلٌ عَنْهُ، وَاسْتَرَاحَ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُرِيحَ النَّاسَ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ سَرِيعًا. وَلَمَّا قُتِلَ مَرْدَاوَيْجُ، اجْتَمَعَ أَصْحَابُهُ الدَّيْلَمُ وَالْجِيلُ وَتَشَاوَرُوا، وَقَالُوا: إِنْ بَقِينَا بِغَيْرِ رَأْسٍ هَلَكْنَا، فَاجْتَمَعُوا عَلَى طَاعَةِ أَخِيهِ وَشْمَكِيرَ بْنِ زِيَارَ، وَهُوَ وَالِدُ قَابُوسٍ، وَكَانَ بِالرَّيِّ، فَحَمَلُوا تَابُوتَ مَرْدَاوَيْجَ وَسَارُوا نَحْوَ الرَّيِّ، فَخَرَجَ مَنْ بِهَا مِنْ أَصْحَابِهِ مَعَ أَخِيهِ وَشْمَكِيرَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>