للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ قَتْلِ يَاقُوتٍ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ يَاقُوتٌ بِعَسْكَرِ مُكْرَمٍ.

وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ ثِقَتُهُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ فَخَانَهُ، وَقَابَلَ إِحْسَانَهُ بِالْإِسَاءَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ارْتَسَمَ بِكِتَابَةِ يَاقُوتٍ مَعَ ضَمَانِ الْأَهْوَازِ، فَلَمَّا كَتَبَ إِلَيْهِ، وَثِقَ بِهِ وَعَوَّلَ عَلَى مَا يَقُولُهُ، وَكَانَ إِذَا قِيلَ لَهُ شَيْءٌ فِي أَمْرِهِ وَخُوِّفَ مِنْ شَرِّهِ، يَقُولُ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ ; لِأَنَّهُ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالْإِمْرَةِ وَقَوْدِ الْعَسَاكِرِ، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ الْكِتَابَةُ، فَاغْتَرَّ بِهَذَا مِنْهُ.

وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَلِيمَ الْقَلْبِ، حَسَنَ الِاعْتِقَادِ، فَلِهَذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ طَاعَةِ الْخَلِيفَةِ حِينَ قَبَضَ عَلَى وَلَدَيْهِ بَلْ دَامَ عَلَى الْوَفَاءِ.

فَأَمَّا حَالُهُ مَعَ الْبَرِيدِيِّ، فَإِنَّهُ لَمَّا عَادَ مَهْزُومًا مِنْ عِمَادِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ إِلَى عَسْكَرِ مُكْرَمٍ، كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يُقِيمَ بِعَسْكَرِ مَكْرَمٍ لِيَسْتَرِيحَ، وَيَقَعَ التَّدْبِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ بِالْأَهْوَازِ، وَهُوَ يَكْرَهُ الِاجْتِمَاعَ مَعَهُ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، فَسَمِعَ يَاقُوتٌ قَوْلَهُ وَأَقَامَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَخَاهُ أَبَا يُوسُفَ الْبَرِيدِيَّ يَتَوَجَّعُ لَهُ وَيُهَنِّيهِ بِالسَّلَامَةِ، وَقَرَّرَ الْقَاعِدَةَ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ لَهُ أَخُوهُ مِنْ مَالِ الْأَهْوَازِ خَمْسِينَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عِنْدَهُ مِنَ الْجُنْدِ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْهُمُ الْبَرْبَرُ، وَالشَّفِيعِيَّةُ، وَالنَّازُوكِيَّةُ، وَالْبَلْقِيَّةُ، وَالْهَارُونِيَّةُ. كَانَ ابْنُ مُقْلَةَ قَدْ مَيَّزَ هَذِهِ الْأَصْنَافَ مِنْ عَسْكَرِ بَغْدَاذَ وَسَيَّرَهُمْ إِلَى الْأَهْوَازِ ; لِيَخِفَّ عَلَيْهِ مَؤُونَتُهُمْ، فَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مَتَى رَأَوُا الْمَالَ يَخْرُجُ عَنْهُمْ إِلَيْكَ شَغَبُوا، وَيَحْتَاجُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مُفَارَقَةِ الْأَهْوَازِ، ثُمَّ يَصِيرُ أَمْرُهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَكَ وَلَا نَعْلَمُ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ رِجَالَكَ مَعَ سُوءِ أَثَرِهِمْ يَقْنَعُونَ بِالْقَلِيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>