فَصَدَّقَهُ يَاقُوتٌ فِيمَا قَالَ، وَأَخَذَ ذَلِكَ الْمَالَ وَفَرَّقَهُ، وَبَقِيَ عِدَّةَ شُهُورٍ لَمْ يَصِلْهُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَى أَنْ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، فَضَاقَ الرِّزْقُ عَلَى أَصْحَابِ يَاقُوتٍ وَاسْتَغَاثُوا، وَذَكَرُوا مَا فِيهِ أَصْحَابُ الْبَرِيدِيِّ بِالْأَهْوَازِ مِنَ السِّعَةِ، وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الضِّيقِ.
وَكَانَ قَدِ اتَّصَلَ بِيَاقُوتٍ طَاهِرٌ الْجِيلِيُّ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ ابْنِ بُوَيْهِ، فِي ثَمَانِمِائَةِ رَجُلٍ، وَهُوَ مِنْ أَرْبَابِ الْمَرَاتِبِ الْعَالِيَةِ، وَمِمَّنْ يَسْمُو إِلَى مَعَالِي الْأُمُورِ.
وَسَبَبُ اتِّصَالِهِ بِهِ خَوْفُهُ مِنِ ابْنِ بُوَيْهِ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهِ خُوفًا مِنْهُ، فَلَمَّا رَأَى حَالَ يَاقُوتٍ انْصَرَفَ عَنْهُ إِلَى غَرْبَيْ تُسْتَرَ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَى مَاهِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ مَعَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْمَرِيُّ، وَهُوَ كَاتِبُهُ، فَسَمِعَ بِهِ عِمَادُ الدَّوْلَةِ بْنُ عِمَادِ بْنِ بُوَيْهِ فَكَبَسَهُ، فَانْهَزَمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَاسْتَوْلَى ابْنُ بُوَيْهِ عَلَى عَسْكَرِهِ وَغَنَمِهِ، وَأَسَرَ الصَّيْمَرِيَّ، فَأَطْلَقَهُ الْخَيَّاطُ وَزِيرُ عِمَادِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ، فَمَضَى إِلَى كَرْمَانَ، وَاتَّصَلَ بِالْأَمِيرِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ بُوَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبُ إِقْبَالِهِ.
فَلَمَّا سَارَ طَاهِرٌ مِنْ عِنْدِ يَاقُوتٍ، ضَعُفَتْ نَفْسُهُ وَاسْتَطَالَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَخَافَهُمْ وَرَاسَلَ الْبَرِيدِيَّ وَعَرَّفَهُ مَا هُوَ فِيهِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ مُعَوَّلَهُ عَلَى مَا يُدَبِّرُهُ بِهِ، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ الْبَرِيدِيُّ يَقُولُ: إِنَّ عَسْكَرَكَ قَدْ فَسَدُوا، وَفِيهِمْ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ، وَالرَّأْيُ أَنْ يُنْفِذَهُمْ إِلَيْهِ لِيَسْتَصْلِحَهُمْ، فَإِنَّهُ لَهُ أَشْغَالٌ تَمْنَعُهُ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُ، وَلَوْ حَضَرَ عِنْدَهُ وَالْجُنْدُ مُجْتَمِعُونَ، لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الِانْتِصَافِ مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ يُظَاهِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِذَا حَضَرُوا عِنْدَهُ بِالْأَهْوَازِ مُتَفَرِّقِينَ، فَعَلَ بِهِمْ مَا أَرَادَ وَلَا يُمْكِنُهُمْ خِلَافُهُ.
فَفَعَلَ ذَلِكَ يَاقُوتٌ، وَأَنْفَذَ أَصْحَابَهُ إِلَيْهِ، فَاخْتَارَ مِنْهُمْ مَنْ أَرَادَ لِنَفْسِهِ، وَرَدَّ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ إِلَى يَاقُوتٍ، (بَعْدَ أَنْ كَسَرَهُمْ وَأَسْقَطَ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِيَاقُوتٍ) ، فَأُشِيرَ عَلَيْهِ بِمُعَاجَلَةِ الْبَرِيدِيِّ قَبْلَ أَنْ يَسْتَفْحِلَ أَمْرُهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ وَقَالَ: جَعَلْتُهُمْ عِنْدَهُ عِدَّةً لِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute