للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَحْسَنَ الْبَرِيدِيُّ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْجُنْدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ يَاقُوتٍ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَطَلَبُوا أَرْزَاقَهُمُ الَّتِي قَرَّرَهَا الْبَرِيدِيُّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ فَلَمْ يُنْفِذْ شَيْئًا، فَرَاجَعَهُ فَلَمْ يُنْفِذْ شَيْئًا، فَسَارَ يَاقُوتٌ إِلَيْهِ جَرِيدَةً لِئَلَّا يَسْتَوْحِشَ مِنْهُ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ خَرَجَ إِلَى لِقَائِهِ، وَقَبَّلَ يَدَهُ وَقَدَمَهُ، وَأَنْزَلَهُ دَارَهُ وَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ الطَّعَامَ لِيَأْكُلَ.

وَكَانَ قَدْ وَضَعَ الْجُنْدَ عَلَى إِثَارَةِ الْفِتْنَةِ، فَحَضَرُوا الْبَابَ وَشَغَبُوا وَاسْتَغَاثُوا، فَسَأَلَ يَاقُوتٌ عَنِ الْخَبَرِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْجُنْدَ بِالْأَبْوَابِ قَدْ شَغَبُوا، وَيَقُولُونَ: قَدِ اصْطَلَحَ يَاقُوتٌ وَالْبَرِيدِيُّ، وَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ قَتْلِ يَاقُوتٍ، فَقَالَ لَهُ الْبَرِيدِيُّ: قَدْ تَرَى مَا دَفَعْنَا إِلَيْهِ، فَانْجُ بِنَفْسِكَ وَإِلَّا قُتِلْنَا جَمِيعًا، فَخَرَجَ مِنْ بَابٍ آخَرَ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، وَلَمْ يُفَاتِحِ الْبَرِيدِيَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَادَ إِلَى عَسْكَرِ مُكْرَمٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْبَرِيدِيُّ يَقُولُ لَهُ: إِنَّ الْعَسْكَرَ الَّذِينَ شَغَبُوا قَدِ اجْتَهَدْتُ فِي إِصْلَاحِهِمْ وَعَجَزْتُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَسْتُ آمَنُهُمْ أَنْ يَقْصِدُوكَ، وَبَيْنَ عَسْكَرِ مُكْرَمٍ وَالْأَهْوَازِ ثَمَانِيَةُ فَرَاسِخَ، وَالرَّأْيُ أَنْ تَتَأَخَّرَ إِلَى تُسْتَرَ لِتَبْعُدَ عَنْهُمْ، وَهِيَ حَصِينَةٌ، وَكَتَبَ لَهُ عَلَى عَامِلِ تُسْتَرَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ دِينَارٍ.

فَسَارَ يَاقُوتٌ إِلَيْهَا، وَكَانَ لَهُ خَادِمٌ اسْمُهُ مُؤْنِسٌ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، إِنَّ الْبَرِيدِيَّ [يَحُزُّ مَفَاصِلَنَا] وَيَفْعَلُ بِنَا مَا تَرَى، وَأَنْتَ مُغْتَرٌّ بِهِ، (وَهُوَ الَّذِي وَضَعَ الْجُنْدَ بِالْأَهْوَازِ حَتَّى فَعَلُوا ذَلِكَ) ، وَقَدْ شَرَعَ فِي إِبْعَادِكَ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ وُجُوهَ أَصْحَابِكَ، (وَقَدْ أَطْلَقَ لَكَ) مَا لَا يَقُومُ بِأَوَدِ أَصْحَابِكِ الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَمَا أَعْطَاكَ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَّا حَتَّى تَتَبَلَّغَ بِهِ، وَتَضِيقَ الْأَرْزَاقُ عَلَيْنَا، وَيَفْنَى مَا لَنَا مِنْ دَابَّةٍ وَعِدَّةٍ فَنَنْصَرِفَ عَنْكَ عَلَى أَقْبَحِ حَالٍ، فَحِينَئِذٍ يَبْلُغُ مِنْكَ مَا يُرِيدُهُ، فَاحْفَظْ نَفْسَكَ مِنْهُ وَلَا تَأْمَنْهُ، وَلَمْ يَثِقْ لِلْجُنْدِ الْحَجَرِيَّةِ بِبَغْدَاذَ شَيْخٌ غَيْرُكَ، وَقَدْ كَاتَبُوكَ فَسِرْ إِلَيْهِمْ، فَكُلُّ مَنْ بِبَغْدَاذَ يُسَلِّمُ إِلَيْكَ الرِّئَاسَةَ، فَإِنْ فَعَلْتَ، وَإِلَّا فَسِرْ بِنَا إِلَى الْأَهْوَازِ ; لِنَطْرُدَ الْبَرِيدِيَّ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَّا، فَأَنْتَ أَمِيرٌ وَهُوَ كَاتِبٌ.

فَقَالَ: لَا تَقُلْ فِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ هَذَا، فَلَوْ كَانَ لِي أَخٌ مَا زَادَ عَلَى مَحَبَّتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>