إِلَى قِتَالِ ابْنِ بُوَيْهِ، إِذْ كَانُوا كَارِهِينَ لِلْعَوْدِ إِلَى بَغْدَاذَ لِضِيقِ الْأَمْوَالِ بِهَا وَاخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ، فَكَتَبَ الرُّسُلُ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ رَائِقٍ، فَعَرَضَهُ عَلَى الرَّاضِي، وَشَاوَرَ فِيهِ أَصْحَابَهُ، فَأَشَارَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ النُّوبَخْتِيُّ بِأَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ خِدَاعٌ وَمَكْرٌ لِلْقُرْبِ مِنْهُ، وَمَتَى عُدْتُمْ عَنْهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا بَذَلَهُ.
وَأَشَارَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُقَاتِلٍ بِإِجَابَتِهِ إِلَى مَا الْتَمَسَ مِنَ الضَّمَانِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَكَانَ يَتَعَصَّبُ لِلْبَرِيدِيِّ، فَسُمِعَ قَوْلُهُ وَعُقِدَ الضَّمَانُ عَلَى الْبَرِيدِيِّ، وَعَادَ هُوَ وَالرَّاضِي إِلَى بَغْدَاذَ، فَدَخَلَاهَا ثَامِنَ صَفَرٍ.
فَأَمَّا الْمَالُ فَمَا حَمَلَ مِنْهُ دِينَارًا وَاحِدًا، وَأَمَّا الْجَيْشُ فَإِنَّ ابْنَ رَائِقٍ أَنْفَذَ جَعْفَرَ بْنَ وَرْقَاءَ لِيَتَسَلَّمَهُ مِنْهُ وَلِيَسِيرَ إِلَى فَارِسَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْأَهْوَازِ لَقِيَهُ ابْنُ الْبَرِيدِيِّ فِي الْجَيْشِ جَمِيعِهِ، وَلَمَّا عَادَ سَارَ الْجَيْشُ مَعَ الْبَرِيدِيِّ إِلَى دَارِهِ وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ جَعْفَرًا وَقَدَّمَ لَهُمْ طَعَامًا كَثِيرًا، فَأَكَلُوا وَانْصَرَفُوا، وَأَقَامَ جَعْفَرُ عِدَّةَ أَيَّامٍ.
ثُمَّ إِنَّ جَعْفَرًا أَمَرَ الْجَيْشَ فَطَالَبُوهُ بِمَالٍ يُفَرِّقُهُ فِيهِمْ لِيَتَجَهَّزُوا بِهِ إِلَى فَارِسَ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، فَشَتَمُوهُ وَتَهَدَّدُوهُ بِالْقَتْلِ، فَاسْتَتَرَ مِنْهُمْ وَلَجَأَ إِلَى الْبَرِيدِيِّ، وَقَالَ (لَهُ الْبَرِيدِيُّ) : لَيْسَ الْعَجَبُ مِمَّنْ أَرْسَلَكَ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْكَ كَيْفَ جِئْتَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَلَوْ أَنَّ الْجَيْشَ مَمَالِيكٌ لَمَا سَارُوا إِلَّا بِمَالٍ تُرْضِيهِمْ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ لَيْلًا، وَقَالَ: انْجُ بِنَفْسِكَ، فَسَارَ إِلَى بَغْدَاذَ خَائِبًا.
ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مُقَاتِلٍ شَرَعَ مَعَ ابْنِ رَائِقٍ فِي عَزْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ النُّوبَخْتِيِّ وَزِيرِهِ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالِاعْتِضَادِ بِالْبَرِيدِيِّ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ وَزِيرًا لَهُ عِوَضَ النُّوبَخْتِيِّ، وَبَذَلَ لَهُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ مُقَاتِلٍ يَسْعَى وَيَجْتَهِدُ إِلَى أَنْ أَجَابَهُ إِلَيْهِ، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي بُلُوغِ ابْنِ مُقَاتِلٍ غَرَضَهُ أَنَّ النُّوبَخْتِيَّ كَانَ مَرِيضًا، فَلَمَّا تَحَدَّثَ ابْنُ مُقَاتِلٍ مَعَ ابْنِ رَائِقٍ فِي عَزْلِهِ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ كَثِيرٌ، هُوَ الَّذِي سَعَى لِي حَتَّى بَلَغْتُ هَذِهِ الرُّتْبَةَ، فَلَا أَبْتَغِي بِهِ بَدِيلًا.
فَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ: فَإِنَّ النُّوبَخْتِيَّ مَرِيضٌ لَا مَطْمَعَ فِي عَافِيَتِهِ.
قَالَ لَهُ ابْنُ رَائِقٍ: فَإِنَّ الطَّبِيبَ قَدْ أَعْلَمَنِي أَنَّهُ قَدْ صَلُحَ وَأَكَلَ الدُّرَّاجَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute