للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَاهَرَهُ، وَعَقَدَ بَيْنَهُ ابْنُ طُغْجَ عَهْدًا وَصِهْرًا، وَقَالَ لِابْنِ رَائِقٍ: أَنَا أَجْبِي إِلَيْكَ مَالَ مِصْرَ وَالشَّامِ إِنْ سَيَّرْتَنِي إِلَيْهِمَا، فَأَمَرَهُ بِالتَّجَهُّزِ لِلْحَرَكَةِ، فَفَعَلَ وَسَارَ أَبُو الْفَتْحِ إِلَى الشَّامِ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ.

ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ بُجْكُمَ وَالْبَرِيدِيِّ، وَالصُّلْحِ بَعْدَ ذَلِكَ

لَمَّا أَقَامَ بُجْكُمُ بِوَاسِطَ وَعَظُمَ شَأْنُهُ، خَافَهُ ابْنُ رَائِقٍ ; لِأَنَّهُ ظَنَّ مَا فَعَلَهُ بُجْكُمُ مِنَ التَّغَلُّبِ عَلَى الْعِرَاقِ، فَرَاسَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ وَطَلَبَ مِنْهُ الصُّلْحَ عَلَى بُجْكُمَ، فَإِذَا انْهَزَمَ تَسَلَّمَ الْبَرِيدِيُّ وَاسِطًا، وَضَمِنَهَا بِسِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ فِي السَّنَةِ عَلَى أَنْ يُنْفِذَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَسْكَرًا.

فَسَمِعَ بُجْكُمُ بِذَلِكَ، فَخَافَ وَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي الَّذِي يَفْعَلُهُ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يَبْتَدِئَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ، وَأَنْ لَا يَهْجُمَ إِلَى حَضْرَةِ الْخِلَافَةِ، وَلَا يُكَاشِفَ ابْنَ رَائِقٍ إِلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْبَرِيدِيِّ، (فَجَمَعَ عَسْكَرَهُ، وَسَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ يُرِيدُ الْبَرِيدِيَّ) ، فَسَيَّرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَيْشًا بَلَغَتْ عِدَّتُهُمْ عَشَرَةَ آلَافِ رَجُلٍ، عَلَيْهِمْ غُلَامُهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ الْحَمَّالُ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ الْبَرِيدِيِّ، وَلَمْ يَتْبَعْهُمْ بُجْكُمُ بَلْ كَفَّ عَنْهُمْ.

وَكَانَ الْبَرِيدِيُّونَ بِمَطَارَا يَنْتَظِرُونَ مَا يَنْكَشِفُ مِنَ الْحَالِ، فَلَمَّا انْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ خَافُوا، وَضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا رَأَى عَسْكَرَهُ سَالِمًا لَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ (وَلَا غَرِقَ) طَابَ قَلْبُهُ.

وَكَانَتْ نِيَّةُ بُجْكُمَ إِذْلَالَ الْبَرِيدِيِّ وَقَطْعَهُ عَنِ ابْنِ رَائِقٍ، وَنَفْسُهُ مُعَلَّقَةٌ بِالْحَضْرَةِ، فَأَرْسَلَ ثَانِيَ يَوْمِ الْهَزِيمَةِ إِلَى الْبَرِيدِيِّ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ مِمَّا جَرَى، وَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ بَدَأْتَ وَتَعَرَّضْتَ بِي، وَقَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ وَعَنْ أَصْحَابِكَ، وَلَوْ تَبِعْتُهُمْ لَغَرِقَ وَقُتِلَ أَكْثَرُهُمْ، وَأَنَا أُصَالِحُكَ عَلَى أَنْ أُقَلِّدَكَ وَاسِطًا إِذَا مَلَكْتُ الْحَضْرَةَ، وَأُصَاهِرَكَ، فَسَجَدَ الْبَرِيدِيُّ شُكْرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>