للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الَّذِينَ أَقَامُوا بِالْمَوْصِلِ، فَسَيَّرَهُمْ مَعَ ابْنِ عَمِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَمْدَانَ إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ لَمَّا أَقْبَلَ نَحْوَهُ دَيْسَمُ (لِيَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ) ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ قِبَلِ ابْنِ عَمِّهِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ عَلَى مُعَاوِنِ أَذْرَبِيجَانَ، فَقَصَدَهُ دَيْسَمُ وَقَاتَلَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لِابْنِ حَمْدَانَ بِهِ طَاقَةٌ، فَفَارَقَ أَذْرَبِيجَانَ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا دَيْسَمُ.

ذِكْرُ اخْتِلَالِ أُمُورِ الْقَرَامِطَةِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَسَدَ حَالُ الْقَرَامِطَةِ، وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ ابْنُ سَنْبَرٍ، وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّ أَبِي سَعِيدٍ الْقُرْمُطِيِّ وَالْمَطَّلِعِينَ عَلَى سِرِّهِ، وَكَانَ لَهُ عَدُوٌّ مِنَ الْقَرَامِطَةِ اسْمُهُ أَبُو حَفْصٍ الشَّرِيكُ، فَعَمَدَ ابْنُ سَنْبَرٍ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَقَالَ لَهُ: إِذَا مَلَّكْتُكَ أَمْرَ الْقَرَامِطَةِ، أُرِيدُ مِنْكَ أَنْ تَقْتُلَ عَدُوِّي أَبَا حَفْصٍ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ وَعَاهَدَهُ عَلَيْهِ، فَأَطْلَعَهُ عَلَى أَسْرَارِ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَلَامَاتٍ كَانَ يَذْكُرُ أَنَّهَا فِي صَاحِبِهِمُ الَّذِي يَدْعُونَ إِلَيْهِ، فَحَضَرَ عِنْدَ أَوْلَادِ أَبِي سَعِيدٍ، وَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ: هَذَا الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ، فَأَطَاعُوهُ، وَدَانُوا لَهُ، حَتَّى كَانَ يَأْمُرُ الرَّجُلَ بِقَتْلِ أَخِيهِ فَيَقْتُلُهُ، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ رَجُلًا يَقُولُ لَهُ إِنَّهُ مَرِيضٌ، يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ شَكَّ فِي دِينِهِ، وَيَأْمُرُ بِقَتْلِهِ.

وَبَلَغَ أَبَا طَاهِرٍ أَنَّ الْأَصْبَهَانَيَّ يُرِيدُ قَتْلَهُ لِيَتَفَرَّدَ بِالْمُلْكِ، فَقَالَ لِإِخْوَتِهِ: لَقَدْ أَخْطَأْنَا فِي هَذَا الرَّجُلِ، وَسَأَكْشِفُ حَالَهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ لَنَا مَرِيضًا، فَانْظُرْ إِلَيْهِ لِيَبْرَأَ، فَحَضَرُوا وَأَضْجَعُوا وَالِدَتَهُ وَغَطَّوْهَا بِإِزَارٍ، فَلَمَّا رَآهَا قَالَ: إِنَّ هَذَا الْمَرِيضَ لَا يَبْرَأُ فَاقْتُلُوهُ، فَقَالُوا لَهُ: كَذَبْتَ، هَذِهِ وَالِدَتُهُ، ثُمَّ قَتَلُوهُ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ عُظَمَائِهِمْ وَشُجْعَانِهِمْ. وَكَانَ هَذَا سَبَبُ تَمَسُّكِهِمْ بِهَجَرَ، وَتَرْكِ قَصْدِ الْبِلَادِ، وَالْإِفْسَادِ فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>