مُلْكُ الْفُرْسِ انْتَقَلَ بَعْدَ قُبَاذَ إِلَى حِمْيَرَ، كَيْفَ كَانَ مَلَكَ ابْنُهُ بَعْدَهُ وَتَمَكَّنَ فِي الْمُلْكِ حَتَّى أَطَاعَهُ مُلُوكُ الْأُمَمِ وَحَمَلَتِ الرُّومُ إِلَيْهِ الْخَرَاجَ! .
ثُمَّ ذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ تُبَّعًا وَجَّهَ ابْنَهُ حَسَّانَ إِلَى الصِّينِ، وَشِمْرًا إِلَى سَمَرْقَنْدَ وَابْنَ أَخِيهِ إِلَى الرُّومِ، وَأَنَّهُ مَلَكَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَسَارَ إِلَى رُومِيَّةَ فَحَاصَرَهَا، فَيَا لَيْتَ شِعْرِي! مَا هُوَ الْيَمَنُ وَحَضْرَمَوْتُ حَتَّى يَكُونَ بِهِمَا مَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ فِي بِلَادِهِمْ لِحِفْظِهَا، وَجَيْشٌ مَعَ تُبَّعٍ، وَجَيْشٌ مَعَ حَسَّانَ يَسِيرُ بِهِمْ إِلَى مِثْلِ الصِّينِ فِي كَثْرَةِ عَسَاكِرِهِ وَمُقَاتِلَتِهِ، وَجَيْشٌ مَعَ ابْنِ أَخِيهِ تُبَّعٍ يَلْقَى بِهِ مِثْلَ كِسْرَى وَيَهْزِمُهُ وَيَمْلِكُ بِلَادَهُ، وَيُحَاصِرُ بِهِ مِثْلَ سَمَرْقَنْدَ فِي كِبَرِهَا وَعِظَمِهَا وَكَثْرَةِ أَهْلِهَا، وَجَيْشٌ مَعَ يَعْفُرَ يَسِيرُ بِهِمْ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ وَيَمْلِكُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ! وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ كَثْرَةِ مَمَالِكِهِمْ وَاتِّسَاعِهَا وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ قَدِ اجْتَهَدُوا لِيَأْخُذُوا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ أَوْ مَا يُجَاوِرُهَا، وَالْيَمَنُ مِنْ أَقَلِّ بِلَادِهِمْ عَدَدًا وَجُنُودًا، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بَعْضُ عَسَاكِرِ الْيَمَنِ مَعَ تُبَّعٍ؟ ! هَذَا مِمَّا تَأْبَاهُ الْعُقُولُ، وَتَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ.
ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ: إِنَّ مُلْكَ تُبَّعٍ بِلَادَ الْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالصِّينِ وَغَيْرَهَا كَانَ بَعْدَ قَتْلِ قُبَاذَ، يَعْنِي أَيَّامَ ابْنِهِ أَنُوشِرْوَانَ، وَكَانَ مُلْكُهُ سَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّ الْحَبَشَةَ لَمَّا مَلَكَتِ الْيَمَنَ انْقَرَضَ مُلْكُ حِمْيَرَ مِنْهُ وَكَانَ آخِرَ مُلُوكِهِمْ ذَا نُوَاسٍ. وَكَانَ مُلْكُ حِمْيَرَ قَدِ اخْتَلَّ قَبْلَ ذِي نُوَاسٍ، وَانْقَطَعَ نِظَامُهُمْ حَتَّى طَمِعَتِ الْحَبَشَةُ فِيهِ وَمَلَكَتْهُ، وَكَانَ مُلْكُهُمُ الْيَمَنَ أَيَّامَ قُبَاذٍ.
وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُلْكُ الْحَبَشَةِ الَّذِي هُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ أَيَّامَ قُبَاذَ، وَيَكُونَ تُبَّعٌ هُوَ الَّذِي مَلَكَ الْيَمَنَ قَدْ قَتَلَ قُبَاذَ وَمَلَكَ بِلَادَهُ قَبْلَ أَنْ تَمْلِكَ الْحَبَشَةُ الْيَمَنَ؟ هَذَا مَرْدُودٌ مُحَالٌ وُقُوعُهُ.
وَكَانَ مُلْكُ الْحَبَشَةِ الْيَمَنَ سَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ انْقِرَاضُ مُلْكِهِمْ فِي آخِرِ مُلْكِ أَنُوشِرْوَانَ، وَالْخَبَرُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ، وَحَدِيثُ سَيْفِ ذِي يَزَنٍ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute