للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَزَلِ الْيَمَنُ بَعْدَ الْحَبَشَةِ فِي يَدِ الْفُرْسِ إِلَى أَنْ مَلَكَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَنْقَضِيَ مُلْكُ تُبَّعٍ الَّذِي هُوَ مُلْكُ بِلَادِ فَارِسَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرَ وَمُلْكُ الْحَبَشَةِ وَهُوَ سَبْعُونَ سَنَةً فِي مُلْكِ أَنُوشِرْوَانَ وَكَانَ مُلْكُهُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ وَهَذَا أَعْجَبُ إِنَّ مُدَّةَ بَعْضِهَا سَبْعُونَ سَنَةً تَنْقَضِي قَبْلَ مُضِيِّ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَوْ فَكَّرَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي ذَلِكَ لَاسْتَحْيَا مِنْ نَقْلِهِ.

وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَ تُبَّعٍ هَذَا رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ اللَّخْمِيُّ، وَهَذَا رَبِيعَةُ هُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ عَدِيٍّ ابْنُ أُخْتِ جَذِيمَةَ، وَكَانَ مُلْكُ عَمْرٍو الْحِيرَةَ بَعْدَ خَالِهِ جَذِيمَةَ أَيَّامَ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ قَبْلَ مُلْكِ أَرْدَشِيرَ بْنِ بَابَكَ بِخَمْسٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَبَيْنَ أَرْدَشِيرَ وَقُبَاذَ وَهُوَ قَبْلَهُ بِهَذَا الدَّهْرِ الطَّوِيلِ؟ وَلَوْ لَمْ يُتَرْجِمْ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى هَذِهِ الْحَادِثَةِ بِقَوْلِهِ: ذِكْرُ الْحَوَادِثِ أَيَّامَ قُبَاذَ، لَكَانَ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا فِيهِ، ثُمَّ مَا قَنِعَ بِذَلِكَ حَتَّى قَالَ، بَعْدَ أَنْ قَصَّ مَسِيرَ تُبَّعٍ: وَقَتَلَ قُبَاذَ وَمَلَكَ الْبِلَادَ.

وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ الَّذِي سَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ مِنَ التَّبَابِعَةِ هُوَ تُبَّعٌ الْأَخِيرُ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: " تُبَّعٌ الْأَخِيرُ " أَنَّهُ آخِرُ مَنْ سَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ وَمَلَكَ الْبِلَادَ.

فَإِنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ وَغَيْرَهُ يَقُولُونَ: إِنَّ الَّذِي مَلَكَ الْبِلَادَ الْمَشْرِقِيَّةَ لَمَّا تُوُفِّيَ مَلَكَ بَعْدَهُ عِدَّةُ تَبَابِعَةٍ، ثُمَّ اخْتَلَّ أَمْرُهُمْ زَمَانًا طَوِيلًا، حَتَّى طَمِعَتِ الْحَبَشَةُ فِيهِمْ وَخَرَجَتْ إِلَى الْيَمَنِ. فَلَيْتَ شِعْرِي إِذَا كَانَ هَذَا تُبَّعٌ فِي أَيَّامِ قُبَاذَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ تُبَّعًا الْأَخِيرَ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الْيَمَنُ يَكُونُ فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَيَكُونُ مُلْكُ الْحَبَشَةِ الْيَمَنَ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ مُلْكِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَيَكُونُ أَوَّلُ الْإِسْلَامِ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِمْ أَيْضًا مِمَّا بَعْدَهَا، حَتَّى يَسْتَقِيمَ هَذَا الْقَوْلُ.

ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ طَلَّةَ الْأَنْصَارِيَّ خَرَجَ إِلَى تُبَّعٍ، وَعَمْرٌو هَذَا قِيلَ إِنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْخًا كَبِيرًا وَمَاتَ عِنْدَ مَرْجِعِهِ مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>