للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى السُّوسِ وَالْأَهْوَازِ، وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَوْقَاتَ، وَكَانَ عَازِمًا عَلَى قَصْدِ بَغْدَاذَ إِذَا أَبْعَدَ عَنْهَا بُجْكُمَ لِيَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا، وَهُوَ يُقَدِّمُ رَجْلًا وَيُؤَخِّرُ أُخْرَى، وَيَنْتَظِرُ بِهِ الدَّوَائِرَ مِنْ هَزِيمَةٍ أَوْ قَتْلٍ. وَأَقَامَ أَبُو زَكَرِيَّاءَ عِنْدَهُ نَحْوَ شَهْرٍ يَحُثُّهُ عَلَى الْمَسِيرِ، وَهُوَ يُغَالِطُهُ، فَعَلِمَ أَبُو زَكَرِيَّاءَ مَقْصُودَهُ، فَكَتَبَ إِلَى بُجْكُمَ، فَلَحِقَهُ الْخَبَرُ وَهُوَ سَائِرٌ، فَرَكِبَ الْجَمَّازَاتِ وَعَادَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَخَلَّفَ عَسْكَرَهُ وَرَاءَهُ.

وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى الْبَرِيدِيِّ بِدُخُولِ بُجْكُمَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَسَقَطَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ أَتَتْهُ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ بُجْكُمَ قَدْ سَارَ نَحْوَهُ.

ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ بُجْكُمَ عَلَى وَاسِطَ

لَمَّا عَادَ بُجْكُمُ إِلَى بَغْدَاذَ، تَجَهَّزَ لِلِانْحِدَارِ إِلَى وَاسِطَ، وَحَفِظَ الطُّرُقَ لِئَلَّا يَصِلَ خَبَرُهُ إِلَى الْبَرِيدِيِّ فَيَتَحَرَّزَ، وَانْحَدَرَ هُوَ فِي الْمَاءِ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، وَسَيَّرَ عَسْكَرَهُ فِي الْبَرِّ، وَأَسْقَطَ اسْمَ الْبَرِيدِيِّ مِنَ الْوِزَارَةِ، وَجَعَلَ مَكَانَهُ أَبَا الْقَاسِمِ سُلَيْمَانَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ مُخَلَّدٍ، وَكَانَتْ وِزَارَةُ الْبَرِيدِيِّ سَنَةً وَاحِدَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقُبِضَ عَلَى ابْنِ شَيْرَزَادَ ; لِأَنَّهُ هُوَ كَانَ سَبَبَ وَصْلَتِهِ بِالْبَرِيدِيِّ، (وَأَخَذَ مِنْهُ مَائَةً وَخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ) .

فَمِنْ عَجِيبِ الِاتِّفَاقِ أَنَّ بُجْكُمَ كَانَ لَهُ كَاتِبٌ عَلَى أَمْرِ دَارِهِ وَحَاشِيَتِهِ، وَهُوَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ عِنْدَ انْحِدَارِهِ إِلَى وَاسِطَ، فَجَاءَ طَائِرٌ فَسَقَطَ عَلَى صَدْرِ السَّفِينَةِ، فَأُخِذَ وَأُحْضِرَ عِنْدَ بُجْكُمَ، فَوَجَدَ عَلَى ذَنَبِهِ كِتَابًا فَفَتَحَهُ، وَإِذَا هُوَ مِنْ هَذَا الْكَاتِبِ إِلَى أَخٍ لَهُ مَعَ الْبَرِيدِيِّ، يُخْبِرُهُ بِخَبَرِ بُجْكُمَ، وَمَا هُوَ عَازِمٌ عَلَيْهِ، فَأَلْقَى الْكِتَابَ إِلَيْهِ، فَاعْتَرَفَ بِهِ إِذْ لَمْ يُمْكِنُهُ جَحْدُهُ ; لِأَنَّهُ بِخَطِّهِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقُتِلَ وَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ.

وَلَمَّا بَلَغَ خَبَرُ بُجْكُمَ إِلَى الْبَرِيدِيِّ سَارَ عَنْ وَاسِطَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَلَمْ يُقِمْ بِهَا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا بُجْكُمُ لَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَكَانَ بُجْكُمُ قَدْ خَلَّفَ عَسْكَرًا بِبَلَدِ الْجَبَلِ، (قَصْدُهُمُ الدَّيْلَمُ وَالْجِيلُ) ، فَانْهَزَمُوا وَعَادُوا إِلَى بَغْدَاذَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>