لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَاخْتَلَفَ عَسْكَرُهُ، فَمَضَى الدَّيْلَمُ خَاصَّةً نَحْوَ الْبَرِيدِيِّ، وَكَانُوا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَأَضْعَفَ أَرْزَاقَهُمْ، وَأَوْصَلَهَا إِلَيْهِمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً.
وَكَانَ الْبَرِيدِيُّ قَدْ عَزَمَ عَلَى الْهَرَبِ مِنَ الْبَصْرَةِ هُوَ وَإِخْوَتُهُ، وَكَانَ بُجْكُمُ قَدْ رَاسَلَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ، فَمَالُوا إِلَيْهِ، فَأَتَى الْبَرِيدِيِّينَ الْفَرَجُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا، وَعَادَ أَتْرَاكُ بُجْكُمَ إِلَى وَاسِطَ، وَكَانَ تُكَيْنَكُ مَحْبُوسًا بِهَا، حَبَسَهُ بُجْكُمُ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ مَحْبَسِهِ، فَسَارَ بِهِمْ إِلَى بَغْدَاذَ، وَأَظْهَرُوا طَاعَةَ الْمُتَّقِي لِلَّهِ.
وَصَارَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مَيْمُونٍ يُدَبِّرُ الْأُمُورَ، وَاسْتَوْلَى الْمُتَّقِي عَلَى دَارِ بُجْكُمَ، فَأَخَذَ مَالَهُ مِنْهَا، وَكَانَ قَدْ دَفَنَ فِيهَا مَالًا كَثِيرًا، وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي الصَّحْرَاءِ ; لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْكَبَّ فَلَا يَصِلَ إِلَى مَالِهِ فِي دَارِهِ.
وَكَانَ مَبْلَغُ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَدَفَائِنِهِ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ وَمِائَتَيْ أَلْفَ دِينَارٍ، وَكَانَتْ مُدَّةُ إِمَارَةِ بُجْكُمَ سَنَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةَ أَيَّامٍ.
ذِكْرُ إِصْعَادِ الْبَرِيدِيَّينَ إِلَى بَغْدَاذَ
لَمَّا قُتِلَ بُجْكُمُ، اجْتَمَعَتِ الدَّيْلَمُ عَلَى بَلْسَوَازَ بْنِ مَالِكِ بْنِ مُسَافِرٍ، فَقَتَلَهُ الْأَتْرَاكُ، فَانْحَدَرَ الدَّيْلَمُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ، وَكَانُوا مُنْتَخَبِينَ لَيْسَ فِيهِمْ حَشْوٌ، فَقَوِيَ بِهِمْ، وَعَظُمَتْ شَوْكَتُهُ، فَأَصْعَدُوا مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى وَاسِطَ فِي شَعْبَانَ، فَأَرْسَلَ الْمُتَّقِي لِلَّهِ إِلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ لَا يَصْعَدُوا، فَقَالُوا: نَحْنُ مُحْتَاجُونَ إِلَى مَالٍ، فَإِنْ أُنْفِذَ لَنَا مِنْهُ شَيْءٌ، لَمْ نَصْعَدْ، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِمْ مِائَةَ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ الْأَتْرَاكُ لِلْمُتَّقِي: نَحْنُ نُقَاتِلُ بَنِي الْبَرِيدِيِّ، فَأَطْلِقْ لَنَا مَالًا وَانْصُبْ لَنَا مُقَدِّمًا، فَأَنْفَقَ فِيهِمْ مَالًا، وَفِي أَجْنَادِ بَغْدَاذَ الْقُدَمَاءِ أَرْبَعُمِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ مِنَ الْمَالِ الَّذِي أُخِذَ لِبُجْكُمَ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ سَلَامَةَ الطُّولُونِيَّ، وَبَرَزُوا مَعَ الْمُتَّقِي لِلَّهِ إِلَى نَهْرِ دِيَالِيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ شَعْبَانَ.
وَسَارَ الْبَرِيدِيُّ مِنْ وَاسِطَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَلَمْ يَقِفْ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ مَعَهُ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ بَغْدَاذَ اخْتَلَفَ الْأَتْرَاكُ الْبُجْكُمِيَّةُ، وَاسْتَأْمَنَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْبَرِيدِيِّ، وَبَعْضُهُمْ سَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَاسْتَتَرَ سَلَامَةُ الطُّولُونِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ، وَلَمْ يَحْصُلِ الْخَلِيفَةُ إِلَّا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute