للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِخْرَاجِ الْمَالِ، وَهُمْ أَرْبَابُ النِّعَمِ وَالْأَمْوَالِ، بِالِانْتِقَالِ مِنْ بَغْدَاذَ خَوْفًا مِنَ الْبَرِيدِيِّ وَظُلْمِهِ وَتَهَوُّرِهِ.

وَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ بَغْدَاذَ ثَانِ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ، وَنَزَلَ بِالشَّفِيعِيِّ، وَلَقِيَهُ الْوَزِيرُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْقُضَاةُ، وَالْكُتَّابُ، وَأَعْيَانُ النَّاسِ، وَكَانَ مَعَهُ مِنْ أَنْوَاعِ السُّفُنِ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ الْمُتَّقِي يُهَنِّيهِ بِسَلَامَتِهِ، وَأَنْفَذَ إِلَيْهِ طَعَامًا وَغَيْرَهُ عِدَّةَ لَيَالٍ، وَكَانَ يُخَاطَبُ بِالْوَزِيرِ، وَكَذَلِكَ أَبْو الْحُسَيْنِ بْنُ مَيْمُونٍ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ أَيْضًا، ثُمَّ عُزِلَ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ وِزَارَةِ أَبِي الْحُسَيْنِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ قَبَضَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ وَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَحَبَسَهُ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ (فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ حُمَّى حَادَّةٍ) .

ثُمَّ أَنْفَذَ الْبَرِيدِيُّ إِلَى الْمُتَّقِي يَطْلُبُ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ لِيُفَرِّقَهَا فِي الْجُنْدِ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَتَهَدَّدُهُ، وَيُذَكِّرَهُ مَا جَرَى عَلَى الْمُعْتَزِّ، وَالْمُسْتَعِينِ، وَالْمُهْتَدِي، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ تَمَامَ خَمْسِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَلَمْ يَلْقَ الْبَرِيدِيُّ الْمُتَّقِيَ لِلَّهِ مُدَّةَ مَقَامِهِ بِبَغْدَاذَ.

ذِكْرُ عَوْدِ الْبَرِيدِيِّ إِلَى وَاسِطَ

كَانَ الْبَرِيدِيُّ يَأْمُرُ الْجُنْدَ بِطَلَبِ الْأَمْوَالِ مِنَ الْخَلِيفَةِ، فَلَمَّا أَنْفَذَ الْخَلِيفَةُ إِلَيْهِ الْمَالَ الْمَذْكُورَ، انْصَرَفَتْ أَطْمَاعُ الْجُنْدِ عَنِ الْخَلِيفَةِ إِلَى الْبَرِيدِيِّ وَعَادَتْ مَكِيدَتُهُ عَلَيْهِ، فَشَغَبَ الْجُنْدُ عَلَيْهِ، وَكَانَ الدَّيْلَمُ قَدْ قَدَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ كُورَتِكِينُ الدَّيْلَمَيُّ، وَقَدَّمَ الْأَتْرَاكُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ تُكَيْنَكَ التُّرْكِيَّ غُلَامَ بُجْكُمَ، وَثَارَ الدَّيْلَمُ إِلَى دَارِ الْبَرِيدِيِّ، فَأَحْرَقُوا دَارَ أَخِيهِ أَبِي الْحُسَيْنِ الَّتِي كَانَ يَنْزِلُهَا، وَنَفَرُوا عَنِ الْبَرِيدِيِّ، وَانْضَافَ تُكَيْنَكُ إِلَيْهِمْ، وَصَارَتْ أَيْدِيهِمْ وَاحِدَةً، وَاتَّفَقُوا عَلَى قَصْدِ الْبَرِيدِيِّ وَنَهْبِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَسَارُوا إِلَى النَّجْمِيِّ وَوَافَقَهُمُ الْعَامَّةُ، (فَقَطَعَ الْبَرِيدِيُّ الْجِسْرَ، وَوَقَعَتِ الْحَرْبُ فِي الْمَاءِ، وَوَثَبَ الْعَامَّةُ) بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ عَلَى أَصْحَابِ الْبَرِيدِيِّ، فَهَرَبَ هُوَ وَأَخُوهُ وَابْنُهُ أَبُو الْقَاسِمِ وَأَصْحَابُهُ، وَانْحَدَرُوا فِي الْمَاءِ إِلَى وَاسِطَ، وَنُهِبَتْ دَارُهُ فِي النَّجْمِيِّ وَدُورُ قُوَّادِهِ، وَكَانَ هَرَبُهُ سَلْخَ رَمَضَانَ، وَكَانَتْ مُدَّةُ مَقَامِهِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>