ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ الْبَرِيدِيِّ عَلَى بَغْدَاذَ، وَإِصْعَادِ الْمُتَّقِي إِلَى الْمَوْصِلِ
وَسَيَّرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ أَخَاهُ أَبَا الْحُسَيْنِ إِلَى بَغْدَاذَ فِي جَمِيعِ الْجَيْشِ مِنَ الْأَتْرَاكِ وَالدَّيْلَمِ، وَعَزَمَ ابْنُ رَائِقٍ عَلَى أَنْ يَتَحَصَّنَ بِدَارِ الْخَلِيفَةِ، فَأَصْلَحَ سُورَهَا، وَنَصَبَ عَلَيْهِ الْعَرَّادَاتِ وَالْمَنْجَنِيقَاتِ، وَعَلَى دِجْلَةَ، وَأَنْهَضَ الْعَامَّةَ، وَجَنَّدَ بَعْضَهُمْ، فَثَارُوا فِي بَغْدَاذَ وَأَحْرَقُوا وَنَهَبُوا، وَأَخَذُوا النَّاسَ لَيْلًا وَنَهَارًا.
وَخَرَجَ الْمُتَّقِي لِلَّهِ وَابْنُ رَائِقٍ إِلَى نَهْرِ دِيَالِي مُنْتَصَفَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَوَافَاهُمْ أَبُو الْحُسَيْنِ عِنْدَهُ فِي الْمَاءِ وَالْبَرِّ، وَاقْتَتَلَ النَّاسُ، وَكَانَتِ الْعَامَّةُ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ فِي الْجَانِبَيْنِ يُقَاتِلُونَ مَنْ فِي الْمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الْبَرِيدِيِّ، (وَانْهَزَمَ أَهْلُ بَغْدَاذَ، وَاسْتَوْلَى أَصْحَابُ الْبَرِيدِيِّ) عَلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ، وَدَخَلُوا إِلَيْهَا فِي الْمَاءِ وَذَلِكَ لِتِسْعٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَهَرَبَ الْمُتَّقِي وَابْنُهُ الْأَمِيرُ أَبُو مَنْصُورٍ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ فَارِسًا، وَلَحِقَ بِهِمَا ابْنُ رَائِقٍ فِي جَيْشِهِ، فَسَارُوا جَمِيعًا نَحْوَ الْمَوْصِلِ، وَاسْتَتَرَ الْوَزِيرُ الْقَرَارِيطِيُّ، وَكَانَتْ مُدَّةُ وِزَارَتِهِ الثَّانِيَةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِمَارَةُ ابْنِ رَائِقٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقَتَلَ أَصْحَابُ الْبَرِيدِيِّ مَنْ وَجَدُوا فِي دَارِ الْخَلِيفَةِ مِنَ الْحَاشِيَةِ، وَنَهَبُوهَا، وَنَهَبُوا دُورَ الْحُرَمِ.
وَكَثُرَ النَّهْبُ فِي بَغْدَاذَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَأَخَذُوا كُورَتِكِينَ مِنْ حَبْسِهِ، وَأَنْفَذَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ إِلَى أَخِيهِ بِوَاسِطَ فَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْقَاهِرِ بِاللَّهِ، وَنَزَلَ أَبُو الْحُسَيْنِ بِدَارِ مُؤْنِسٍ الَّتِي يَسْكُنُهَا ابْنُ رَائِقٍ وَعَظُمَ النَّهْبُ، فَأَقَامَ أَبُو الْحُسَيْنِ تُوزُونَ عَلَى الشُّرْطَةِ بِشَرْقِيِّ بَغْدَاذَ، وَجَعَلَ نُوشْتِكِينَ عَلَى شُرْطَةِ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، فَسَكَنَ النَّاسُ شَيْئًا يَسِيرًا، وَأَخَذَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَرِيدِيُّ رَهَائِنَ الْقَوَّادِ الَّذِينَ مَعَ تُوزُونَ وَغَيْرِهِ، وَأَخَذَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ فَسَيَّرَهُمْ إِلَى أَخِيهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِوَاسِطَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute