للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ مَا فَعَلَهُ الْبَرِيدِيُّ بِبَغْدَاذَ

لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَى بَغْدَاذَ أَخَذَ أَصْحَابُهُ فِي النَّهْبِ وَالسَّلْبِ وَأَخْذِ الدَّوَابِّ، وَجَعَلُوا طَلَبَهَا طَرِيقًا إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأَثَاثِ، وَكُبِسَتِ الدُّورُ، وَأُخْرِجَ أَهْلُهَا مِنْهَا وَنَزَلَتْ، وَعَظُمَ الْأَمْرُ، وَجُعِلَ عَلَى كُرٍّ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَأَصْنَافِ الْحُبُوبِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ فَبِيعَ كُرُّ الْحِنْطَةِ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ دِينَارًا، وَالْخُبْزُ الْخَشْكَوَارُ رِطْلَيْنِ بِقِيرَاطَيْنِ صَحِيحٍ أَمِيرِيٍّ، وَحَبِطَ أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَأَخَذَ الْقَوِيُّ بِالضَّعِيفِ، وَوَرَدَ مِنَ الْكُوفَةِ وَسَوَادِهَا خَمْسُمِائَةُ كُرٍّ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، فَأَخَذَهُ جَمِيعَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ لِلْعَامِلِ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ.

وَوَقَعَتِ الْفِتَنُ بَيْنَ النَّاسِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْقَرَامِطَةِ، فَجَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَتْرَاكِ حَرْبٌ قُتِلَ فِيهَا جَمَاعَةٌ، وَانْهَزَمَ الْقَرَامِطَةُ، وَفَارَقُوا بَغْدَاذَ، وَوَقَعَتْ حَرْبٌ بَيْنَ الدَّيْلَمِ وَالْعَامَّةِ، قُتِلَ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ حَدِّ نَهْرِ طَابَقٍ إِلَى الْقَنْطَرَةِ الْجَدِيدَةِ.

وَفِي آخِرِ شَعْبَانَ زَادَ الْبَلَاءُ عَلَى النَّاسِ، فَكَبَسُوا مَنَازِلَهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَاسْتَتَرَ أَكْثَرُ الْعُمَّالِ (لِعَظِيمِ مَا) طُولِبُوا بِهِ مِمَّا لَيْسَ فِي السَّوَادِ، وَافْتَرَقَ النَّاسُ، (فَخَرَجَ النَّاسُ) وَأَصْحَابُ السُّلْطَانِ إِلَى قُرْبٍ مِنْ بَغْدَاذَ، فَحَصَدُوا مَا اسْتَحْصَدُوا مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَحَمَلُوهُ بِسُنْبُلِهِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَنْهَبُ وَيَعْسِفُ أَهْلَ الْعِرَاقِ وَيَظْلِمُهُمْ ظُلْمًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ قَطُّ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

(وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا الْفَصْلَ لِيَعْلَمَ الظَّلَمَةُ أَنَّ أَخْبَارَهُمْ تُنْقَلُ وَتَبْقَى عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ، فَرُبَّمَا تَرَكُوا الظُّلْمَ لِهَذَا إِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ لِلَّهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>