ثُمَّ أَخَذَ سِوَاكَهُ فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالُوا لَهُ: ذُو نُوَاسْ أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسْ؟ فَقَالَ: سَلْ نَخْمَاسْ، اسْتُ رَطْبَانَ ذُو نُوَاسْ لَا بَاسْ.
فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ حِينَ قَالَ لَهُمْ مَا قَالَ، فَإِذَا رَأْسُ لَخِيعَةَ مَقْطُوعٌ، فَخَرَجَتْ حِمْيَرُ وَالْحَرَسُ فِي أَثَرِ ذِي نُوَاسٍ حَتَّى أَدْرَكُوهُ فَمَلَّكُوهُ حَيْثُ أَرَاحَهُمْ مِنْ لَخِيعَةَ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَكَانَ يَهُودِيًّا، وَبِنَجْرَانَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَى اسْتِقَامَةٍ، لَهُمْ رَئِيسٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ، وَكَانَ أَصْلُ النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ.
قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ دِينِ عِيسَى يُقَالُ لَهُ فِيمْيُونْ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مُجْتَهِدًا زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ سَائِحًا لَا يُعْرَفُ بِقَرْيَةٍ إِلَّا خَرَجَ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ كَسْبِ يَدِهِ، وَكَانَ يَعْمَلُ الطِّينَ، وَيُعَظِّمُ الْأَحَدَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا، وَيَخْرُجُ إِلَى الصَّحْرَاءِ يُصَلِّي جَمِيعَ نَهَارِهِ، فَنَزَلَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الشَّامِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ ذَلِكَ مُسْتَخْفِيًا، فَفَطِنَ بِهِ رَجُلٌ اسْمُهُ صَالِحٌ فَأَحَبَّهُ حُبًّا شَدِيدًا، وَكَانَ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ لَا يَفْطِنُ بِهِ فِيمْيُونْ، حَتَّى خَرَجَ مَرَّةً يَوْمَ الْأَحَدِ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَاتَّبَعَهُ صَالِحٌ، وَفِيمْيُونْ لَا يَعْلَمُ. فَجَلَسَ صَالِحٌ مِنْهُ مَنْظَرَ الْعَيْنِ مُسْتَخْفِيًا، وَقَامَ فِيمْيُونْ يُصَلِّي، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِذْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ تِنِّينٌ، فَلَمَّا رَآهُ فِيمْيُونْ دَعَا عَلَيْهِ فَمَاتَ، وَرَآهُ صَالِحٌ وَلَمْ يَدْرِ مَا أَصَابَهُ، فَخَافَ عَلَى فِيمْيُونْ فَصَاحَ يَا فِيمْيُونْ، التِّنِّينُ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ! فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ حَتَّى أَمْسَى، وَعَرَفَ أَنَّ صَالِحًا عَرَفَهُ، فَكَلَّمَهُ صَالِحٌ وَقَالَ لَهُ: يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّنِي مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا حُبَّكَ قَطُّ، وَقَدْ أَرَدْتُ صُحْبَتَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ. قَالَ: افْعَلْ. فَلَزِمَهُ صَالِحٌ.
وَكَانَ إِذَا مَا جَاءَهُ الْعَبْدُ بِهِ ضُرٌّ شُفِيَ إِذَا دَعَا لَهُ، وَإِذَا دُعِيَ إِلَى أَحَدٍ بِهِ ضُرٌّ لَمْ يَأْتِهِ. وَكَانَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ابْنٌ ضَرِيرٌ، فَجَعَلَ ابْنَهُ فِي حُجْرَةٍ أَلْقَى عَلَيْهِ ثَوْبًا ثُمَّ قَالَ لِفِيمْيُونْ: قَدْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْمَلَ فِي بَيْتِي عَمَلًا، فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ لِأُشَارِطَكَ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ، فَلَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute