للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَخَلَ الْحُجْرَةَ أَلْقَى الرَّجُلُ الثَّوْبَ عَنِ ابْنِهِ، وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ، فَدَعَا لَهُ فَأَبْصَرَ.

وَعَرَفَ فِيمْيُونْ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ بِالْقَرْيَةِ، فَخَرَجَ هُوَ وَصَالِحٌ وَمَرَّ بِشَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ بِالشَّامِ. فَنَادَاهُ رَجُلٌ وَقَالَ: مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُكَ، لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَقُومَ عَلَيَّ فَإِنِّي مَيِّتٌ، قَالَ: فَمَاتَ، فَوَارَاهُ فِيمْيُونْ وَانْصَرَفَ وَمَعَهُ صَالِحٌ، حَتَّى وَطِئَا بَعْضَ أَرْضِ الْعَرَبِ، وَأَخَذَهُمَا بَعْضُ الْعَرَبِ فَبَاعُوهُمَا بِنَجْرَانَ، وَأَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِ الْعَرَبِ تَعْبُدُ نَخْلَةً طَوِيلَةً بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَهَا عِيدٌ كُلَّ سَنَةٍ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعِيدُ عَلَّقُوا عَلَيْهَا كُلَّ ثَوْبٍ حَسَنٍ وَحُلِيٍّ جَمِيلٍ، فَعَكَفُوا عَلَيْهَا يَوْمًا، فَابْتَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فِيمْيُونْ، وَابْتَاعَ رَجُلٌ آخَرُ صَالِحًا، فَكَانَ فِيمْيُونْ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، اسْتَسْرَجَ لَهُ الْبَيْتُ حَتَّى يُصْبِحَ مِنْ غَيْرِ مِصْبَاحٍ. فَلَمَّا رَأَى سَيِّدَهُ ذَلِكَ أَعْجَبَهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ فَأَخْبَرَهُ، وَعَابَ دِينَ سَيِّدِهِ. وَقَالَ لَهُ: لَوْ دَعَوْتُ إِلَهِي الَّذِي أَعْبُدُ لَأَهْلَكَ النَّخْلَةَ. فَقَالَ: افْعَلْ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ دَخَلْنَا فِي دِينِكَ وَتَرَكْنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ. فَصَلَّى فِيمْيُونْ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا رِيحًا فَجَفَّفَتْهَا وَأَلْقَتْهَا، فَاتَّبَعَهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِهِ، فَحَمَلَهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ دِينِ عِيسَى وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَحْدَاثُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى أَهْلِ دِينِهِمْ بِكُلِّ أَرْضٍ. فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَ أَصْلُ النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: كَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا سَاحِرٌ، كَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ يُرْسِلُونَ أَوْلَادَهُمْ يُعَلِّمُهُمُ السِّحْرَ فَلَمَّا نَزَلَهَا فِيمْيُونْ، وَهُوَ رَجُلٌ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِذَا عُرِفَ فِي قَرْيَةٍ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ يُبْرِئُ الْمَرْضَى، وَلَهُ كَرَامَاتٌ، فَوَصَلَ نَجْرَانَ فَسَكَنَ خَيْمَةً بَيْنَ نَجْرَانَ وَبَيْنَ السَّاحِرِ، فَأَرْسَلَ الثَّامِرُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ مَعَ الْغِلْمَانِ إِلَى السَّاحِرِ، فَاجْتَازَ بِفِيمْيُونْ فَرَأَى مَا أَعْجَبَهُ مِنْ صَلَاتِهِ، فَجَعَلَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ وَيَسْتَمِعُ مِنْهُ، فَأَسْلَمَ مَعَهُ وَوَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى وَعَبَدَهُ، وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَكَانَ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ إِيَّاهُ وَقَالَ: لَنْ تَحْتَمِلَهُ، وَالثَّامِرُ يَعْتَقِدُ أَنَّ ابْنَهُ يَخْتَلِفُ إِلَى السَّاحِرِ مَعَ الْغِلْمَانِ. فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ ضَنَّ عَلَيْهِ بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ عَمَدَ إِلَى قِدَاحٍ فَكَتَبَ عَلَيْهَا أَسْمَاءَ اللَّهِ جَمِيعَهَا، ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي النَّارِ وَاحِدًا وَاحِدًا، حَتَّى إِذَا أَلْقَى الْقَدَحَ الَّذِي عَلَيْهِ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ وَثَبَ مِنْهَا فَلَمْ تَضُرَّهُ شَيْئًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>