وَسَمِعَ تُوزُونُ الصِّيَاحَ، فَتَعَجَّلَ وَعَبَرَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ سِبَاحَةً، فَوَقَعُوا فِي عَسْكَرِ ابْنِ بُوَيْهِ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ حَتَّى مَلُّوا، وَانْهَزَمَ ابْنُ بُوَيْهِ وَوَزِيرُهُ الصَّيْمَرِيُّ إِلَى السُّوسِ رَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَلَحِقَ بِهِ مَنْ سَلِمَ مِنْ عَسْكَرِهِ، وَكَانَ قَدْ أُسِرَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَائِدًا مِنْهُمُ ابْنُ الدَّاعِي الْعَلَوِيُّ، وَاسْتَأْمَنَ كَثِيرٌ مِنَ الدَّيْلَمِ إِلَى تُوزُونَ.
ثُمَّ إِنَّ تُوزُونَ عَاوَدَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الصَّرَعِ، فَشُغِلَ بِنَفْسِهِ عَنْ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ وَعَادَ إِلَى بَغْدَاذَ.
ذِكْرُ قَتْلِ أَبِي يُوسُفَ الْبَرِيدِيِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَتَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ أَخَاهُ أَبَا يُوسُفَ.
وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيَّ كَانَ قَدْ نَفَذَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَالِ فِي مُحَارَبَةِ بَنِي حَمْدَانَ وَمَقَامِهِمْ بِوَاسِطٍ، وَفِي مُحَارَبَةِ تُوزُونَ، فَلَمَّا رَأَى جُنْدُهُ قِلَّةَ مَالِهِ، مَالُوا إِلَى أَخِيهِ أَبِي يُوسُفَ ; لِكَثْرَةِ مَالِهِ، فَاسْتَقْرَضَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَخِيهِ أَبِي يُوسُفَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَكَانَ يُعْطِيهِ الْقَلِيلَ مِنَ الْمَالِ، وَيَعِيبُهُ وَيَذْكُرُ تَضْيِيعَهُ وَسُوءَ تَدْبِيرِهِ وَجُنُونَهُ وَتَهَوُّرَهُ، فَصَحَّ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْقَبْضَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَالِاسْتِبْدَادَ بِالْأَمْرِ وَحْدَهُ، فَاسْتَوْحَشَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَنْفَذَ إِلَى أَخِيهِ جَوهَرًا نَفِيسًا كَانَ بُجْكُمُ قَدْ وَهَبَهُ لِبِنْتِهِ لَمَّا تَزَوَّجَهَا الْبَرِيدِيُّ، وَكَانَ قَدْ أَخَذَهُ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ، فَأَخَذَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ وَأَبْلَغَهُ ذَلِكَ وَعَرَضَ عَلَيْهِ (الْجَوْهَرَ، أَحْضَرَ) الْجَوْهَرِيِّينَ لِيُثَمِّنُوهُ، فَلَمَّا أَخَذُوا فِي وَصْفِهِ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَحَرَدَ وَنَزَلَ فِي ثَمَنِهِ إِلَى خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَخَذَ فِي الْوَقِيعَةِ فِي أَخِيهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَذَكَرَ مَعَايِبَهُ وَمَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَالِ، وَأَنْفَذَ مَعَ الرَّسُولِ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا عَادَ الرَّسُولُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَبْلَغَهُ ذَلِكَ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ: أَلَا قُلْتَ لَهُ: جُنُونِي وَقِلَّةُ تَحْصِيلِي أَقْعَدَكَ هَذَا الْمَقْعَدَ وَصَيَّرَكَ كَقَارُونَ، ثُمَّ عَدَّدَ مَا عَمِلَهُ مَعَهُ مِنَ الْإِحْسَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute