للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، أَقَامَ غِلْمَانَهُ فِي طَرِيقٍ (مُسْقَفٍ) بَيْنَ دَارِهِ وَالشَّطِّ، وَأَقْبَلَ أَخُوهُ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الشَّطِّ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ، فَثَارُوا بِهِ فَقَتَلُوهُ وَهُوَ يَصِيحُ: يَا أَخِي، يَا أَخِي، قَتَلُونِي. وَأَخُوهُ يَسْمَعُهُ، وَيَقُولُ: إِلَى لَعْنَةِ اللَّهِ! فَخَرَجَ أَخُوهُمَا أَبُو الْحُسَيْنِ مِنْ دَارِهِ، وَكَانَ بِجَنْبِ دَارِ أَخِيهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَسْتَغِيثُ: يَا أَخِي، قَتَلْتَهُ! فَسَبَّهُ وَهَدَّدَهُ، فَسَكَتَ، فَلَمَّا قُتِلَ دَفَنَهُ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الْخَبَرُ الْجُنْدَ، فَثَارُوا وَشَغَبُوا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ حَيٌّ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُبِشَ وَأَلْقَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ سَكَتُوا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُفِنَ، وَانْتَقَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِلَى دَارِ أَخِيهِ أَبِي يُوسُفَ، فَأَخَذَ مَا فِيهَا، وَالْجَوْهَرَ فِي جُمْلَتِهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ مَالِ أَخِيهِ عَلَى طَائِلٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُ انْكَسَرَ عَلَى النَّاسِ، وَذَهَبَتْ نَفْسُ أَخِيهِ.

ذِكْرُ وَفَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ

وَفِيهَا فِي شَوَّالٍ مَاتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ أَخَاهُ بِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ بِحُمَّى حَادَّةٍ، وَاسْتَقَرَّ فِي الْأَمْرِ بَعْدَهُ أَخُوهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، فَأَسَاءَ السِّيرَةَ إِلَى الْأَجْنَادِ، فَثَارُوا بِهِ لِيَقْتُلُوهُ وَيَجْعَلُوهُ أَبَا الْقَاسِمِ ابْنَ أَخِيهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَكَانَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى هَجَرَ، وَاسْتَجَارَ بِالْقَرَامِطَةِ فَأَعَانُوهُ، وَسَارَ مَعَهُ إِخْوَانٌ لِأَبِي طَاهِرٍ الْقُرْمُطِيِّ فِي جَيْشٍ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَرَأَوْا أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ حَفِظَهَا، فَرَدَّهُمْ عَنْهَا، فَحَصَرُوهُ مُدَّةً ثُمَّ ضَجِرُوا وَأَصْلَحُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمِّهِ وَعَادُوا، وَدَخَلَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرَةَ، فَتَجَهَّزَ مِنْهَا، وَسَارَ إِلَى بَغْدَاذَ فَدَخَلَ عَلَى تُوزُونَ.

ثُمَّ طَمِعَ يَأْنَسُ مَوْلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ فِي التَّقَدُّمِ، فَوَاطَأَ قَائِدًا مِنْ قُوَّادِ الدَّيْلَمِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الرِّئَاسَةُ بَيْنَهُمَا، وَيُزِيلَا أَبَا الْقَاسِمِ مَوْلَاهُ، فَاجْتَمَعَتِ الدَّيْلَمُ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَائِدِ، فَأَرْسَلَ أَبُو الْقَاسِمِ إِلَيْهِمْ يَأْنَسُ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِالْأَمْرِ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ يَأْنَسُ، أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِالتَّوَقُّفِ، فَطَمِعَ فِيهِ ذَلِكَ الْقَائِدُ الدَّيْلِمِيُّ، وَأَحَبَّ التَّفَرُّدَ بِالرِّئَاسَةِ، فَأُمِرَ بِهِ فَضُرِبَ بِزَوْبِينَ فِي ظَهْرِهِ فَجُرِحَ، وَهَرَبَ يَأْنَسُ وَاخْتَفَى.

ثُمَّ إِنَّ الدَّيْلَمَ اخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ فَتَفَرَّقُوا، وَاخْتَفَى ذَلِكَ الْقَائِدُ، فَأُخِذَ وَنُفِيَ، وَأَمَرَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَرِيدِيُّ بِمُعَالَجَةِ يَأْنَسَ، وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ حَالُهُ، فَعُولِجَ حَتَّى بَرَأَ، ثُمَّ قَبَضَ عَلَيْهِ أَبُو الْقَاسِمِ بَعْدَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَصَادَرَهُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَقَتَلَهُ، وَاسْتَقَامَ أَمْرُ أَبِي الْقَاسِمِ إِلَى أَنْ أَتَاهُ أَمْرُ اللَّهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>