قَالَ: فَرَجَعْتُ وَحْدِي، وَتَبِعَنِي أَخِي وَصَاحِبِي، وَوَطَّنْتُ نَفْسِي عَلَى الشَّهَادَةِ، فَحِينَئِذٍ عَادَ أَكْثَرُ الدَّيْلَمِ اسْتِحْيَاءً فَرَجَعُوا وَقَاتَلْنَاهُمْ، وَنَادَيْنَا بِالْكَمِينِ بِالْعَلَامَةِ بَيْنَنَا، فَخَرَجُوا مِنْ وَرَائِهِمْ، وَصَدَقْنَاهُمُ الْقِتَالَ، فَقَتَلْنَا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْهُمْ أَمِيرُهُمْ، وَالْتَجَأَ الْبَاقُونَ إِلَى حِصْنِ الْبَلَدِ، وَيُسَمَّى شِهْرِسْتَانَ، وَكَانُوا قَدْ نَقَلُوا إِلَيْهِ مِيرَةً كَثِيرَةً، وَجَعَلُوا مَعَهُمُ السَّبْيَ وَالْأَمْوَالَ، فَحَاصَرَهُمُ الْمَرْزُبَانُ وَصَابَرَهُمْ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ حَمْدَانَ قَدْ سَارَ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، (وَأَنَّهُ وَاصِلٌ إِلَى سَلْمَاسَ، وَكَانَ ابْنُ عَمِّهِ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ قَدْ سَيَّرَهُ لِيَسْتَوْلِيَ عَلَى أَذْرَبِيجَانَ) ، فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْمَرْزُبَانِ، تَرَكَ عَلَى الرُّوسِيَّةِ مَنْ يُحَاصِرُهُمْ وَسَارَ إِلَى ابْنِ حَمْدَانَ، فَاقْتَتَلُوا، ثُمَّ نَزَلَ الثَّلْجُ، فَتَفَرَّقَ أَصْحَابُ ابْنِ حَمْدَانَ ; لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ أَعْرَابٌ، ثُمَّ أَتَاهُ كِتَابُ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ يُخْبِرُهُ بِمَوْتِ تُوزُونَ، وَأَنَّهُ يُرِيدُ الِانْحِدَارَ إِلَى بَغْدَاذَ وَيَأْمُرُهُ بِالْعَوْدِ إِلَيْهِ، فَرَجَعَ.
وَأَمَّا أَصْحَابُ الْمَرْزُبَانِ فَإِنَّهُمْ أَقَامُوا يُقَاتِلُونَ الرُّوسِيَّةَ، (وَزَادَ الْوَبَاءُ عَلَى الرُّوسِيَّةِ) (فَكَانُوا إِذَا دَفَنُوا الرَّجُلَ، دَفَنُوا مَعَهُ سِلَاحَهُ، فَاسْتَخْرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا) كَثِيرًا بَعْدَ انْصِرَافِ الرُّوسِ.
ثُمَّ إِنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الْحِصْنِ لَيْلًا وَقَدْ حَمَلُوا عَلَى ظُهُورِهِمْ مَا أَرَادُوا مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا، وَمَضَوْا إِلَى الْكَرِّ، وَرَكِبُوا فِي سُفُنِهِمْ وَمَضَوْا، وَعَجَزَ أَصْحَابُ الْمَرْزُبَانِ عَنِ اتِّبَاعِهِمْ وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ، فَتَرَكُوهُمْ وَطَهَّرَ اللَّهُ الْبِلَادَ مِنْهُمْ.
ذِكْرُ خُرُوجِ ابْنِ أَشْكَامَ عَلَى نُوحٍ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَشْكَامَ عَلَى الْأَمِيرِ نُوحٍ، وَامْتَنَعَ بِخُوَارَزْمَ، فَسَارَ نُوحٌ مِنْ بُخَارَى إِلَى مَرْوَ بِسَبَبِهِ، وَسَيَّرَ إِلَيْهِ جَيْشًا، وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَارِسَ، وَسَارُوا نَحْوَهُ، فَمَاتَ إِبْرَاهِيمُ فِي الطَّرِيقِ، وَكَاتَبَ ابْنُ أَشْكَامَ مَلِكَ التُّرْكِ وَرَاسَلَهُ، وَاحْتَمَى بِهِ.
وَكَانَ لِمَلِكِ التُّرْكِ وَلَدٌ فِي يَدِ نُوحٍ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ بِبُخَارَى، فَرَاسَلَ نُوحٌ أَبَاهُ فِي إِطْلَاقِهِ لِيَقْبِضَ عَلَى ابْنِ أَشْكَامَ، فَأَجَابَهُ مَلِكُ التُّرْكِ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا عَلِمَ ابْنُ أَشْكَامَ الْحَالَ، عَادَ إِلَى طَاعَةِ نُوحٍ، وَفَارَقَ خُوَارَزْمَ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِ نُوحٌ وَأَكْرَمَهُ، وَعَفَا عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute