فَيَنْهَاهُمُ الرُّوسُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَنْتَهُوا، سِوَى الْعُقَلَاءِ فَإِنَّهُمْ كَفُّوا أَنْفُسَهُمْ وَسَائِرُ الْعَامَّةِ وَالرُّعَاعُ لَا يَضْبِطُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ نَادَى مُنَادِيهِمْ بِخُرُوجِ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْهُ، وَأَنْ لَا يُقِيمُوا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَخَرَجَ مَنْ كَانَ لَهُ ظَهْرٌ يَحْمِلُهُ، وَبَقِيَ أَكْثَرُهُمْ بَعْدَ الْأَجَلِ، فَوَضَعَ الرُّوسِيَّةُ فِيهِمُ السِّلَاحَ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَسَرُوا بَعْدَ الْقَتْلِ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ نَفْسٍ، وَجَمَعُوا مَنْ بَقِيَ بِالْجَامِعِ، وَقَالُوا: اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ وَإِلَّا قَتَلْنَاكُمْ، وَسَعَى لَهُمْ إِنْسَانٌ نَصْرَانِيٌّ، فَقَرَّرَ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ إِلَّا عُقَلَاؤُهُمْ، فَلَمَّا رَأَى الرُّوسِيَّةُ أَنَّهُ لَا يُحَصَّلُ مِنْهُمْ شَيْءٌ، قَتَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ، وَغَنِمُوا أَمْوَالَ أَهْلِهَا وَاسْتَعْبَدُوا السَّبْيَ، وَاخْتَارُوا مِنَ النِّسَاءِ مَنِ اسْتَحْسَنُوهَا.
ذِكْرُ مَسِيرِ الْمَرْزُبَانِ إِلَيْهِمْ، وَالظَّفَرِ بِهِمْ
لَمَّا فَعَلَ الرُّوسُ بِأَهْلِ بَرْدَعَةَ مَا ذَكَرْنَاهُ، اسْتَعْظَمَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَتَنَادَوْا بِالنَّفِيرِ، وَجَمَعَ الْمَرْزُبَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاسَ وَاسْتَنْفَرَهُمْ، فَبَلَغَ عِدَّةُ مَنْ مَعَهُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَسَارَ بِهِمْ فَلَمْ يُقَاوِمِ الرُّوسِيَّةَ، وَكَانَ يُغَادِيهُمُ الْقِتَالَ وَيُرَاوِحُهُمْ، فَلَا يَعُودُ إِلَّا مَفْلُولًا، فَبَقُوا كَذَلِكَ أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَكَانَ الرُّوسِيَّةُ قَدْ تَوَجَّهُوا نَحْوَ مَرَاغَةَ، فَأَكْثَرُوا مِنْ أَكْلِ الْفَوَاكِهِ، فَأَصَابَهُمُ الْوَبَاءُ، وَكَثُرَتِ الْأَمْرَاضُ وَالْمَوْتُ فِيهِمْ.
وَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ عَلَى الْمَرْزُبَانِ، أَعْمَلَ الْحِيلَةَ، فَرَأَى أَنْ يَكْمُنَ كَمِينًا، ثُمَّ يَلْقَاهُمْ فِي عَسْكَرِهِ، وَيَتَطَارَدَ لَهُمْ، فَإِذَا خَرَجَ الْكَمِينُ عَادَ عَلَيْهِمْ، فَتَقَدَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ، وَرَتَّبَ الْكَمِينَ ثُمَّ لَقِيَهُمْ، (وَاقْتَتَلُوا، فَتَطَارَدَ لَهُمُ الْمَرْزُبَانُ وَأَصْحَابُهُ، وَتَبِعَهُمُ الرُّوسِيَّةُ) حَتَّى جَازَوْا مَوْضِعَ الْكَمِينِ، فَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَى هَزِيمَتِهِمْ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ.
فَحَكَى الْمَرْزُبَانُ، قَالَ: صِحْتُ بِالنَّاسِ لِيَرْجِعُوا، فَلَمْ يَفْعَلُوا لِمَا تَقَدَّمَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ هَيْبَةِ الرُّوسِيَّةِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ إِنِ اسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَى الْهَزِيمَةِ، قَتَلَ الرُّوسُ أَكْثَرَهُمْ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى الْكَمِينِ (فَفَطِنُوا بِهِمْ) ، فَقَتَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute