يُجَدِّدُ الْيَمِينَ عَلَى تُوزُونَ، فَعَادَ وَحَلَفَ، وَسَارَ عَنْ بَغْدَاذَ لِعَشَرٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ لِيَلْتَقِيَ الْمُتَّقِيَ، فَالْتَقَاهُ بِالسَّنَدِيَّةِ، فَنَزَلَ تُوزُونُ وَقَبَّلَ الْأَرْضَ وَقَالَ: هَا أَنَا قَدْ وَفَّيْتُ بِيَمِينِي وَالطَّاعَةُ لَكَ، ثُمَّ وَكَّلَ بِهِ وَبِالْوَزِيرِ وَبِالْجَمَاعَةِ، وَأَنْزَلَهُمْ فِي مَضْرِبِ نَفْسِهِ مَعَ حُرَمِ الْمُتَّقِي، ثُمَّ كَحَّلَهُ فَأَذْهَبَ عَيْنَيْهِ، فَلَمَّا سَمَلَهُ صَاحَ، وَصَاحَ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْحُرَمِ وَالْخَدَمِ، وَارْتَجَّتِ الدُّنْيَا، فَأَمَرَ تُوزُونُ بِضَرْبِ الدَّبَادَبِ لِئَلَّا تَظْهَرَ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَفِيَتْ أَصْوَاتُهُمْ، وَعَمِيَ الْمُتَّقِي لِلَّهِ، وَانْحَدَرَ تُوزُونُ مِنَ الْغَدِ إِلَى بَغْدَاذَ وَالْجَمَاعَةُ فِي قَبْضَتِهِ.
وَكَانَتْ خِلَافَةُ الْمُتَّقِي لِلَّهِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَ أَبْيَضَ (أَشْهَلَ) الْعَيْنَيْنِ، وَأُمُّهُ أَمُّ وَلَدٍ اسْمُهَا خَلُوبُ، وَكَانَتْ وِزَارَةُ ابْنِ مُقْلَةَ سَنَةً وَاحِدَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا.
ذِكْرُ خِلَافَةِ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ
هُوَ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُكْتَفِي بِاللَّهِ عَلِيِّ بْنِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ الْمُوَفَّقِ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ، يَجْتَمِعُ هُوَ وَالْمُتَّقِي لِلَّهِ فِي الْمُعْتَضِدِ، لَمَّا قَبَضَ تُوزُونُ عَلَى الْمُتَّقِي لِلَّهِ، أَحْضَرَ الْمُسْتَكْفِيَ إِلَيْهِ إِلَى السَّنَدِيَّةِ، وَبَايَعَهُ هُوَ وَعَامَّةُ النَّاسِ.
وَكَانَ سَبَبُ الْبَيْعَةِ لَهُ مَا حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ التَّمِيمِيُّ الرَّازِيُّ، وَكَانَ مِنْ خَوَاصِّ تُوزُونَ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا السَّبَبَ فِي الْبَيْعَةِ لِلْمُسْتَكْفِي، وَذَلِكَ أَنَّنِي دَعَانِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الزُّوبَيْنَدَارِ الدَّيْلَمَيُّ، فَمَضَيْتُ إِلَيْهِ، فَذَكَرَ لِي أَنَّهُ تَزَوَّجَ إِلَى قَوْمٍ وَأَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ قَالَتْ لَهُ: إِنَّ الْمُتَّقِيَ هَذَا قَدْ عَادَاكُمْ وَعَادَيْتُمُوهُ، وَكَاشَفَكُمْ وَلَا يَصْفُو قَلْبُهُ لَكُمْ، وَهَا هُنَا رَجُلٌ مِنْ أَوْلَادِ الْخُلَفَاءِ مِنْ وَلَدِ الْمُكْتَفِي - وَذَكَرَتْ عَقْلَهُ، وَأَدَبَهُ، وَدِينَهُ - تُنَصِّبُونَهُ لِلْخِلَافَةِ فَيَكُونُ صَنِيعَتَكُمْ وَغَرْسَكُمْ، وَيَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْوَالٍ جَلِيلَةٍ لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُهُ، وَتَسْتَرِيحُونَ مِنَ الْخَوْفِ وَالْحِرَاسَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute