قَالَ: فَعَلِمْتُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِكَ، فَدَعَوْتُكَ لَهُ، فَقُلْتُ: أُرِيدُ [أَنْ] أَسْمَعُ كَلَامَ الْمَرْأَةِ، فَجَاءَنِي بِهَا، فَرَأَيْتُ امْرَأَةً عَاقِلَةً جَزْلَةً، فَذَكَرَتْ لِي نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: لَا بُدَّ أَنْ أَلْقَى الرَّجُلَ، فَقَالَتْ: تَعُودُ غَدًا إِلَى هَا هُنَا حَتَّى أَجْمَعَ بَيْنَكُمَا، فَعُدْتُ إِلَيْهَا مِنَ الْغَدِ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ أُخْرِجَ مِنْ دَارِ ابْنِ طَاهِرٍ فِي زِيِّ امْرَأَةٍ، فَعَرَّفَنِي نَفْسَهُ، وَضَمِنَ إِظْهَارَ ثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ مِنْهَا مِائَةُ أَلْفٍ لِتُوزُونَ، وَذَكَرَ وُجُوهَهَا وَخَاطَبَنِي خِطَابَ رَجُلٍ فَهْمٍ عَاقِلٍ، وَرَأَيْتُهُ يَتَشَيَّعُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ تُوزُونَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَوَقَعَ كَلَامِي بِقَلْبِهِ، وَقَالَ: أُرِيدُ [أَنْ] أُبْصِرَ الرَّجُلَ، فَقُلْتُ: لَكَ ذَلِكَ، وَلَكِنِ اكْتُمْ أَمْرَنَا مِنِ ابْنِ شَيْرَزَادَ، فَقَالَ: أَفْعَلُ، وَعُدْتُ إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي ذُكِرَ، وَوَعَدْتُهُمْ حُضُورَ تُوزُونَ مِنَ الْغَدِ.
فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْأَحَدِ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ صَفَرٍ، مَشَيْتُ مَعَ تُوزُونَ مُسْتَخْفِيَيْنِ، فَاجْتَمَعْنَا بِهِ، وَخَاطَبَهُ تُوزُونُ وَبَايَعَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَتَمَ الْأَمْرَ، فَلَمَّا وَصَلَ الْمُتَّقِي، قُلْتُ لِتُوزُونَ لَمَّا لَقِيَهُ: أَنْتَ عَلَى ذَلِكَ الْعَزْمِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَلْتُ: فَافْعَلْهُ السَّاعَةَ، فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ الدَّارَ بَعُدَ عَلَيْكَ مَرَامُهُ، فَوَكَّلَ بِهِ وَسَمَلَهُ، وَجَرَى مَا جَرَى.
وَبُويِعَ الْمُسْتَكْفِي بِالْخِلَافَةِ يَوْمَ خَلْعِ الْمُتَّقِي. وَأُحْضِرَ الْمُتَّقِي، فَبَايَعَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ الْبُرْدَةَ وَالْقَضِيبَ، وَصَارَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ قَهْرَمَانَةَ الْمُسْتَكْفِي، وَسَمَّتْ نَفْسَهَا عَلَمًا، وَغَلَبَتْ عَلَى أَمْرِهِ كُلِّهِ.
وَاسْتَوْزَرَ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ أَبَا الْفَرَجِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ السَّامَّرِّيَّ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا اسْمُ الْوِزَارَةِ، وَالَّذِي يَتَوَلَّى الْأُمُورَ ابْنُ شَيْرَزَادَ، وَحُبِسَ الْمُتَّقِي، وَخَلَعَ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ عَلَى تُوزُونَ خُلْعَةً وَتَاجًا، وَطَلَبَ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ أَبَا الْقَاسِمِ الْفَضْلَ بْنَ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ، وَهُوَ الَّذِي وَلِيَ الْخِلَافَةَ، وَلُقِّبَ " الْمُطِيعُ لِلَّهِ " ;
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute