لِأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُهُ يَطْلُبُ الْخِلَافَةَ، فَاسْتَتَرَ مُدَّةَ خِلَافَةِ الْمُسْتَكْفِي، فَهُدِمَتْ دَارُهُ الَّتِي عَلَى دِجْلَةَ عِنْدَ دَارِ ابْنِ طَاهِرٍ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ.
ذِكْرُ خُرُوجِ أَبِي يَزِيدَ الْخَارِجِيِّ بِإِفْرِيقِيَّةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَدَّتْ شَوْكَةُ أَبِي يَزِيدَ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ وَهَزَمَ الْجُيُوشَ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ أَمْرِهِ أَنَّهُ مِنْ زَنَاتَةَ، وَاسْمُ وَالِدِهِ كَيْدَادُ مِنْ مَدِينَةِ تَوْزَرَ مِنْ قَسْطِيلِيَّةَ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى بِلَادِ السُّودَانِ لِتِجَارَةٍ، فَوُلِدَ لَهُ بِهَا أَبُو يَزِيدَ مِنْ جَارِيَةٍ هَوَّارِيَّةٍ، فَأَتَى بِهَا إِلَى تَوْزَرَ، فَنَشَأَ بِهَا، وَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَخَالَطَ جَمَاعَةً مِنَ النَّكَارِيَّةِ، فَمَالَتْ نَفْسُهُ إِلَى مَذْهَبِهِمْ، ثُمَّ سَافَرَ إِلَى تَاهَرْتَ فَأَقَامَ بِهَا يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ إِلَى أَنْ خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشِّيعِيُّ إِلَى سِجِلْمَاسَةَ فِي طَلَبِ الْمَهْدِيِّ، فَانْتَقَلَ إِلَى تَقْيَوَسَ، وَاشْتَرَى ضَيْعَةً وَأَقَامَ يُعَلِّمُ فِيهَا.
وَكَانَ مَذْهَبُهُ تَكْفِيرَ أَهْلِ الْمِلَّةِ، وَاسْتِبَاحَةَ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْخُرُوجَ عَلَى السُّلْطَانِ، فَابْتَدَأَ يَحْتَسِبُ عَلَى النَّاسِ فِي أَفْعَالِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ، فَصَارَ لَهُ جَمَاعَةٌ يُعَظِّمُونَهُ، وَذَلِكَ أَيَّامَ الْمَهْدِيِّ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنِ اشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ فِي أَيَّامِ الْقَائِمِ (وَلَدِ الْمَهْدِيِّ، فَصَارَ يُغُيْرُ وَيَحْرِقُ وَيُفْسِدُ، وَزَحَفَ إِلَى بِلَادِ الْقَائِمِ) وَحَاصَرَ بَاغَايَةَ، وَهَزَمَ الْجُيُوشَ الْكَثِيرَةَ عَلَيْهَا، ثُمَّ حَاصَرَ قَسْطِيلِيَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَفَتَحَ تَبْسَةَ وَمَجَانَةَ وَهَدَمَ سُورَهَا، وَأَمَّنَ أَهْلَهَا، وَدَخَلَ مَرْمَجَنَّةَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا، وَأَهْدَى لَهُ حِمَارًا أَشْهَبَ مَلِيحَ الصُّورَةِ، فَرَكِبَهُ أَبُو يَزِيدَ مِنْ ذَلِكَ الْيَومِ.
وَكَانَ قَصِيرًا أَعْرَجَ يَلْبِسُ جُبَّةَ صُوفٍ قَصِيرَةً، قَبِيحَ الصُّورَةِ.
ثُمَّ إِنَّهُ هَزَمَ كُتَامَةَ، وَأَنْفَذَ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِهِ إِلَى سَبِيبَةَ، فَفَتَحَهَا وَصَلَبَ عَامِلَهَا، وَسَارَ إِلَى الْأَرْبَسِ، فَفَتَحَهَا وَأَحْرَقَهَا وَنَهَبَهَا، وَجَاءَ النَّاسُ إِلَى الْجَامِعِ، فَقَتَلَهُمْ فِيهِ، فَلَمَّا اتَّصَلَ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْمَهْدِيَّةِ اسْتَعْظَمُوهُ، وَقَالُوا لِلْقَائِمِ: الْأَرْبَسُ بَابُ إِفْرِيقِيَّةَ، وَلَمَّا أُخِذَتْ، زَالَتْ دَوْلَةُ بَنِي الْأَغْلَبِ، فَقَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَبْلُغَ أَبُو يَزِيدَ الْمُصَلَّى، وَهُوَ أَقْصَى غَايَتَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute