فَلَمَّا عَلِمَ أَبُو يَزِيدَ ذَلِكَ، زَحَفَ إِلَى الْبَلَدِ بَعْضُ عَسْكَرِهِ، فَأَنْشَبُوا الْقِتَالَ، فَجَرَى بَيْنَهُمْ قَتِالٌ (عَظِيمٌ) قُتِلَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَانْهَزَمُوا وَخَلِيلٌ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ، فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، فَخَرَجَ مُتَكَارِهًا مِنْ بَابِ تُونُسَ، وَأَقْبَلَ أَبُو يَزِيدَ، فَانْهَزَمَ خَلِيلٌ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَدَخَلَ الْقَيْرَوَانَ وَنَزَلَ بِدَارِهِ وَأَغْلَقَ بَابَهَا يَنْتَظِرُ وُصُولَ مَيْسُورٍ، وَفَعَلَ كَذَلِكَ أَصْحَابُهُ، وَدَخَلَ الْبَرْبَرُ الْمَدِينَةَ فَقَتَلُوا وَأَفْسَدُوا، وَقَاتَلَ بَعْضُ النَّاسِ فِي أَطْرَافِ الْبَلَدِ.
وَبَعَثَ أَبُو يَزِيدَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ اسْمُهُ أَيُّوبُ الزُّوَيْلِيُّ إِلَى الْقَيْرَوَانِ بِعَسْكَرٍ، فَدَخَلَهَا أَوَاخِرَ صَفَرٍ، فَنَهَبَ الْبَلَدَ وَقَتَلَ، وَعَمِلَ أَعْمَالًا عَظِيمَةً، وَحَصَرَ خَلِيلًا فِي دَارِهِ، فَنَزَلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ بِالْأَمَانِ، فَحُمِلَ خَلِيلٌ إِلَى أَبِي يَزِيدَ فَقَتَلَهُ، وَخَرَجَ شُيُوخُ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ إِلَى أَبِي يَزِيدَ وَهُوَ بِرَقَّادَةَ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَطَلَبُوا الْأَمَانَ، فَمَاطَلَهُمْ، وَأَصْحَابُهُ يَقْتُلُونَ وَيَنْهَبُونَ، فَعَاوَدُوا الشَّكْوَى، وَقَالُوا: خَرِبَتِ الْمَدِينَةُ، فَقَالَ: وَمَا يَكُونُ؟ خَرِبَتْ مَكَّةُ، وَالْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ! ثُمَّ أَمَرَ بِالْأَمَانِ، وَبَقِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الْبَرْبَرِ يَنْهَبُونَ، فَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ بِوُصُولِ مَيْسُورٍ فِي عَسَاكِرَ عَظِيمَةً، فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَرْبَرُ مِنَ الْمَدِينَةِ خَوفًا مِنْهُ.
وَقَارَبَ مَيْسُورٌ مَدِينَةَ الْقَيْرَوَانِ، وَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِالْقَائِمِ أَنَّ بَنِي كَمْلَانَ قَدْ كَاتَبَ بَعْضُهُمْ أَبَا يَزِيدَ عَلَى أَنْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ مَيْسُورٍ، فَكَتَبَ إِلَى مَيْسُورٍ يُعَرِّفُهُ وَيُحَذِّرُهُ، وَيَأْمُرُهُ بِطَرْدِهِمْ، فَرَجَعُوا إِلَى أَبِي يَزِيدَ، وَقَالُوا لَهُ: إِنْ عَجَّلْتَ ظَفِرْتَ بِهِ، فَسَارَ مِنْ يَوْمِهِ، فَالْتَقَوْا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، وَانْهَزَمَتْ مَيْسَرَةُ أَبِي يَزِيدَ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو يَزِيدَ ذَلِكَ، حَمَلَ عَلَى مَيْسُورٍ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ مَيْسُورٍ، فَعَطَفَ مَيْسُورٌ فَرَسَهُ، فَكَبَا بِهِ، فَسَقَطَ عَنْهُ، وَقَاتَلَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ لِيَمْنَعُوهُ، فَقَصَدَهُ بَنُو كَمْلَانَ الَّذِينَ طَرَدَهُمْ، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ حِينَئِذٍ، فَقُتِلَ مَيْسُورٌ، وَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى أَبِي يَزِيدَ، وَانْهَزَمَ عَامَّةُ عَسْكَرِهِ، وَسَيَّرَ الْكُتُبَ إِلَى عَامَّةِ الْبِلَادِ يُخْبِرُ بِهَذَا الظَّفَرِ، وَطِيفَ بِرَأْسِ مَيْسُورٍ بِالْقَيْرَوَانِ.
وَاتَّصَلَ خَبَرُ الْهَزِيمَةِ بِالْقَائِمِ، فَخَافَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ بِالْمَهْدِيَّةِ، وَانْتَقَلَ أَهْلُهَا مِنْ أَرْبَاضِهَا إِلَى الْبَلَدِ، فَاجْتَمَعُوا وَاحْتَمَوْا بِسُورِهِ، فَمَنَعَهُمُ الْقَائِمُ، وَوَعَدَهُمُ الظَّفَرَ، فَعَادُوا إِلَى زَوِيلَةَ، وَاسْتَعَدُّوا لِلْحِصَارِ، وَأَقَامَ أَبُو يَزِيدَ شَهْرَيْنِ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فِي خِيَمِ مَيْسُورٍ، وَهُوَ يَبْعَثُ السَّرَايَا إِلَى كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَيَغْنَمُونَ وَيَعُودُونَ، وَأَرْسَلَ سَرِيَّةً إِلَى سُوسَةَ فَفَتَحُوهَا بِالسَّيْفِ، وَقَتَلُوا الرِّجَالَ، وَسَبَوُا النِّسَاءَ، وَأَحْرَقُوهَا، وَشَقُّوا فُرُوجَ النِّسَاءِ، وَبَقَرُوا الْبُطُونَ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي إِفْرِيقِيَّةَ مَوْضِعٌ مَعْمُورٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute