للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا سَقْفٌ مَرْفُوعٌ، وَمَضَى جَمِيعُ مَنْ بَقِيَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ حُفَاةً عُرَاةً، وَمَنْ تَخَلَّصَ مِنَ السَّبْيِ، مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا.

وَفِي آخِرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ أَمَرَ الْقَائِمُ بِحَفْرِ الْخَنَادِقِ حَوْلَ أَرْبَاضِ الْمَهْدِيَّةِ، وَكَتَبَ إِلَى زِيرِي بْنِ مَنَادٍ سَيِّدِ صِنْهَاجَةَ، وَإِلَى سَادَاتِ كُتَامَةَ وَالْقَبَائِلِ يُحُثُّهُمْ عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِالْمَهْدِيَّةِ وَقِتَالِ النِّكَارِ، فَتَأَهَّبُوا لِلْمَسِيرِ إِلَى الْقَائِمِ.

ذِكْرُ حِصَارِ أَبِي يَزِيدَ الْمَهْدِيَّةَ

لَمَّا سَمِعَ أَبُو يَزِيدَ بِتَأَهُّبِ صِنْهَاجَةَ وَكُتَامَةَ وَغَيْرِهِمْ لِنُصْرَةِ الْقَائِدِ، خَافَ وَرَحَلَ مِنْ سَاعَتِهِ نَحْوَ الْمَهْدِيَّةِ، فَنَزَلَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلًا مِنْهَا، وَبَثَّ سَرَايَاهُ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَهْدِيَّةِ، فَانْتَهَبَتْ مَا وَجَدَتْ، وَقَتَلَتْ مَنْ أَصَابَتْ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ، وَاتَّفَقَتْ كُتَامَةُ وَأَصْحَابُ الْقَائِمِ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى أَبِي يَزِيدَ لِيَضْرِبُوا عَلَيْهِ فِي مُعَسْكَرِهِ؛ لَمَّا سَمِعُوا أَنَّ عَسْكَرَهُ قَدْ تَفَرَّقَ فِي الْغَارَةِ، فَخَرَجُوا يَوْمَ الْخَمِيسِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ.

وَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا يَزِيدَ، وَقَدْ أَتَاهُ فَضْلٌ بِعَسْكَرٍ مِنَ الْقَيْرَوَانِ، فَوَجَّهَهُمْ إِلَى قِتَالِ كُتَامَةَ، وَقَدَّمَ عَلَيْهِمُ ابْنَهُ، فَالْتَقَوْا عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَهْدِيَّةِ وَاقْتَتَلُوا، وَبَلَغَ الْخَبَرُ أَبَا يَزِيدَ، فَرَكِبَ بِجَمِيعِ مَنْ بَقِيَ مَعَهُ، فَلَقِيَ أَصْحَابَهُ مُنْهَزِمِينَ، وَقَدْ قُتِلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ الْكُتَامِيُّونَ انْهَزَمُوا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَأَبُو يَزِيدَ فِي أَثَرِهِمْ إِلَى بَابِ الْفَتْحِ، وَاقْتَحَمَ قَوْمٌ مِنَ الْبَرْبَرِ فَدَخَلُوا بَابَ الْفَتْحِ، فَأَشْرَفَ أَبُو يَزِيدَ عَلَى الْمَهْدِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَأَتَى بَابَ الْفَتْحِ، وَوَجَّهَ زَوِيلَةَ إِلَى بَابِ بَكْرٍ، ثُمَّ وَقَفَ هُوَ عَلَى الْخَنْدَقِ الْمُحْدَثِ، وَبِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَبِيدِ، فَنَاشَبَهُمْ أَبُو يَزِيدَ الْقِتَالَ عَلَى الْخَنْدَقِ، ثُمَّ اقْتَحَمَ أَبُو يَزِيدَ وَمَنْ مَعَهُ الْبَحْرَ، فَبَلَغَ الْمَاءُ صُدُورَ الدَّوَابِّ، حَتَّى جَاوَزُوا السُّورَ الْمُحْدَثَ، فَانْهَزَمَ الْعَبِيدُ، وَأَبُو يَزِيدَ فِي طَلَبِهِمْ.

وَوَصَلَ أَبُو يَزِيدَ إِلَى بَابِ الْمَهْدِيَّةِ، عِنْدَ الْمُصَلَّى الَّذِي لِلْعِيدِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَهْدِيَّةِ رَمْيَةَ سَهْمٍ، وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ فِي زَوِيلَةَ يَنْهَبُونَ وَيَقْتُلُونَ، وَأَهْلُهَا يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ، وَالْقِتَالُ عِنْدَ بَابِ الْفَتْحِ بَيْنَ كُتَامَةَ وَالْبَرْبَرِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ أَبُو يَزِيدَ فِي ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>