الْجَانِبِ، فَحَمَلَ الْكُتَّامِيُّونَ عَلَى الْبَرْبَرِ، فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوا فِيهِمْ، وَسَمِعَ أَبُو يَزِيدَ بِذَلِكَ، وَوُصُولَ زِيرِي بْنِ مَنَادٍ (فِي صِنْهَاجَةَ) ، فَخَافَ الْمَقَامَ، فَقَصَدَ بَابَ الْفَتْحِ لِيَأْتِيَ زِيرِي وَكُتَامَةَ مِنْ وَرَائِهِمْ بِطُبُولِهِ وَبُنُودِهِ، فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْأَرْبَاضِ ذَلِكَ، ظَنُّوا أَنَّ الْقَائِمَ قَدْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ مِنَ الْمَهْدِيَّةِ، فَكَبَّرُوا وَقَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وَاشْتَدَّ قِتَالُهُمْ، فَتَحَيَّرَ أَبُو يَزِيدَ، وَعَرَفَهُ أَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، فَمَالُوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ عِنْدَهُ، فَهَدَمَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ حَائِطًا وَخَرَجَ مِنْهُ فَتَخَلَّصَ، وَوَصَلَ إِلَى مَنْزِلِهِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَ الْعَبِيدَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَوِيَتْ قُلُوبُهُمْ، وَانْهَزَمَ الْعَبِيدُ وَافْتَرَقُوا.
ثُمَّ رَحَلَ أَبُو يَزِيدَ إِلَى ثَرْنُوطَةَ، وَحَفَرَ عَلَى عَسْكَرِهِ خَنْدَقًا، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ خَلْقٌ عَظِيمٌ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ، وَالْبَرْبَرِ، وَنَفُوسَةَ، وَالزَّابِّ، وَأَقَاصِي الْمَغْرِبِ، فَحَصَرَ الْمَهْدِيَّةَ حِصَارًا شَدِيدًا، وَمَنَعَ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهَا وَالْخُرُوجِ مِنْهَا، ثُمَّ زَحَفَ إِلَيْهَا لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنَ السَّنَةِ، فَجَرَى قِتَالٌ عَظِيمٌ قُتِلَ [فِيهِ] جَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ عَسْكَرِ الْقَائِمِ، وَاقْتَحَمَ أَبُو يَزِيدَ بِنَفْسِهِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى قُرْبِ الْبَابِ، فَعَرَفَهُ بَعْضُ الْعَبِيدِ، فَقَبَضَ عَلَى لِجَامِهِ وَصَاحَ: هَذَا أَبُو يَزِيدَ فَاقْتُلُوهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي يَزِيدَ فَقَطَعَ يَدَهُ، وَخَلَّصَ أَبُو يَزِيدَ.
فَلَمَّا رَأَى شِدَّةَ قِتَالِ أَصْحَابِ الْقَائِمِ، كَتَبَ إِلَى عَامِلِ الْقَيْرَوَانِ يَأْمُرُهُ بِإِرْسَالِ مُقَاتِلَةِ أَهْلِهَا إِلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَوَصَلُوا إِلَيْهِ، فَزَحَفَ بِهِمْ آخِرَ رَجَبٍ، فَجَرَى قِتَالٌ شَدِيدٌ انْهَزَمَ فِيهِ أَبُو يَزِيدَ هَزِيمَةً مُنْكَرَةً، وَقُتِلَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ، ثُمَّ زَحَفَ الزَّحْفَةَ الرَّابِعَةَ فِي الْعَشْرِ الْآخَرِ مِنْ شَوَّالٍ، فَجَرَى قِتَالٌ عَظِيمٌ، وَانْصَرَفَ (إِلَى مَنْزِلِهِ، وَكَثُرَ خُرُوجُ) النَّاسِ مِنَ الْجُوعِ وَالْغَلَاءِ، فَفَتَحَ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَائِمُ الْأَهْرَاءَ الَّتِي عَمِلَهَا الْمَهْدِيُّ وَمَلَأَهَا طَعَامًا، وَفَرَّقَ مَا فِيهَا عَلَى رِجَالِهِ، وَعَظُمَ الْبَلَاءُ عَلَى الرَّعِيَّةِ حَتَّى أَكَلُوا الدَّوَابَّ وَالْمَيْتَةَ، وَخَرَجَ مِنَ الْمَهْدِيَّةِ أَكْثَرُ السُّوقَةِ وَالتُّجَّارِ، وَلَمْ يَبْقَ بِهَا سِوَى الْجُنْدِ، فَكَانَ الْبَرْبَرُ يَأْخُذُونَ مَنْ خَرَجَ وَيَقْتُلُونَهُمْ وَيَشُقُّونَ بُطُونَهُمْ طَلَبًا لِلذَّهَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute