مُكَرَّمِينَ، بَعْدَ أَنْ وَصَلَهُمْ، وَأَحْسَنَ كُسْوَتَهُمْ، وَأَكْرَمَهُمْ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهِ، نَكَثَ جَمِيعَ مَا عَقَدَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا وَجَّهَهُمْ خَوفًا مِنِّي، فَانْقَضَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَدَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ (فِي الْقِتَالِ) .
فَفِي خَامِسِ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا زَحَفَ أَبُو يَزِيدَ، وَرَكِبَ الْمَنْصُورُ، وَكَانَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ قِتَالٌ مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ، وَحَمَلَتِ الْبَرْبَرُ عَلَى الْمَنْصُورِ وَحَمَلَ عَلَيْهَا، وَجَعَلَ يَضْرِبُ فِيهِمْ، فَانْهَزَمُوا مِنْهُ بَعْدَ أَنْ قُتِلَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَلَمَّا انْتَصَفَ الْمُحَرَّمُ عَبَّأَ الْمَنْصُورُ عَسْكَرَهُ، فَجَعَلَ فِي الْمَيْمَنَةِ أَهْلَ إِفْرِيقِيَّةَ، وَكُتَامَةَ فِي الْمَيْسَرَةِ، وَهُوَ فِي عَبِيدِهِ وَخَاصَّتِهِ فِي الْقَلْبِ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ شَدِيدٌ، فَحَمَلَ أَبُو يَزِيدَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ فَهَزَمَهَا، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَلْبِ فَبَادَرَ إِلَيْهِ الْمَنْصُورُ، وَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْفَتْحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحَمَلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَانْهَزَمَ أَبُو يَزِيدَ، وَأَخَذَتِ السُّيُوفُ أَصْحَابَهُ فَوَلُّوا مُنْهَزِمِينَ، وَأَسْلَمُوا أَثْقَالَهُمْ، وَهَرَبَ أَبُو يَزِيدَ عَلَى وَجْهِهِ، فَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَا لَا يُحْصَى، فَكَانَ مَا أَخَذَهُ أَطْفَالُ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ مِنْ رُءُوسِ الْقَتْلَى عَشَرَةَ آلَافِ رَأْسٍ، وَسَارَ أَبُو يَزِيدَ إِلَى تَاهِ مَدِيتَ.
ذِكْرُ قَتْلِ أَبِي يَزِيدَ
لَمَّا تَمَّتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى أَبِي يَزِيدَ، أَقَامَ الْمَنْصُورُ يَتَجَهَّزُ لِلْمَسِيرِ فِي أَثَرِهِ، ثُمَّ رَحَلَ أَوَاخِرَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْبَلَدِ مَذَامًا الصِّقِلِّيَّ، فَأَدْرَكَ أَبَا يَزِيدَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ مَدِينَةَ بَاغَايَةَ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ دُخُولَهَا لَمَّا انْهَزَمَ، فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، فَحَصَرَهَا، فَأَدْرَكَهُ الْمَنْصُورُ وَقَدْ كَادَ يَفْتَحُهَا، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُ هَرَبَ أَبُو يَزِيدَ، وَجَعَلَ كُلَّمَا قَصَدَ مَوْضِعًا يَتَحَصَّنُ فِيهِ، سَبَقَهُ الْمَنْصُورُ، حَتَّى وَصَلَ طَبَنَةَ، فَوَصَلَتْ رُسُلُ مُحَمَّدِ بْنِ خَزَرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute