إِلَى جِبَالِ كُتَامَةَ وَعَجِيسَةَ وَغَيْرِهِمْ، فَتَحَصَّنَ بِهَا وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُهَا، وَصَارُوا يَنْزِلُونَ يَتَخَطَّفُونَ النَّاسَ، فَسَارَ الْمَنْصُورُ عَاشِرَ شَعْبَانَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَنْزِلْ أَبُو يَزِيدَ، فَلَمَّا عَادَ نَزَلَ إِلَى سَاقَةِ الْعَسْكَرِ، فَرَجَعَ الْمَنْصُورُ، وَوَقَعَتِ الْحَرْبُ فَانْهَزَمَ أَبُو يَزِيدَ، وَأَسْلَمَ أَوْلَادَهُ وَأَصْحَابَهُ، وَلَحِقَهُ فَارِسَانِ فَعَقَرَا فَرَسَهُ فَسَقَطَ عَنْهُ، فَأَرْكَبَهُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، وَلَحِقَهُ زِيرِي بْنُ مُنَادٍ فَطَعَنَهُ فَأَلْقَاهُ، وَكَثُرَ الْقِتَالُ عَلَيْهِ، فَخَلَّصَهُ أَصْحَابُهُ وَخَلَصُوا مَعَهُ، وَتَبِعَهُمْ أَصْحَابُ الْمَنْصُورِ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ.
ثُمَّ سَارَ الْمَنْصُورُ فِي أَثَرِهِ أَوَّلَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَاقْتَتَلُوا أَيْضًا أَشَدَّ قِتَالٍ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْهَزِيمَةِ لِضِيقِ الْمَكَانِ وَخُشُونَتِهِ، ثُمَّ انْهَزَمَ أَبُو يَزِيدَ أَيْضًا، وَاحْتَرَقَتْ أَثْقَالُهُ وَمَا فِيهَا، وَطَلَعَ أَصْحَابُهُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ يَرْمُونَ بِالصَّخْرِ، وَأَحَاطَ الْقِتَالُ (بِالْمَنْصُورِ وَتَوَاخَذُوا بِالْأَيْدِي، وَكَثُرَ الْقَتْلُ) حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ الْفَنَاءُ، وَافْتَرَقُوا عَلَى السَّوَاءِ، وَالْتَجَأَ أَبُو يَزِيدَ إِلَى قَلْعَةِ كُتَامَةَ، وَهِيَ مَنِيعَةٌ، فَاحْتَمَى بِهَا.
وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (أَتَى إِلَى الْمَنْصُورِ) جُنْدٌ لَهُ مَنْ كُتَامَةَ بِرَجُلٍ ظَهَرَ فِي أَرْضِهِمُ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، فَأَمَرَ الْمَنْصُورُ بِقَتْلِهِ، وَأَقْبَلَتْ هَوَارَةُ وَأَكْثَرُ مَنْ مَعَ أَبِي يَزِيدَ يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُمُ الْمَنْصُورُ، وَسَارَ إِلَى قَلْعَةِ كُتَامَةَ، فَحَصَرَ أَبَا يَزِيدَ فِيهَا، وَفَرَّقَ جُنْدَهُ حَوْلَهَا، فَنَاشَبَهُ أَصْحَابُ أَبِي يَزِيدَ الْقِتَالَ، وَزَحَفَ إِلَيْهَا الْمَنْصُورُ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَفِي آخِرِهَا مَلَكَ أَصْحَابُهُ بَعْضَ الْقَلْعَةِ، وَأَلْقَوْا فِيهَا النِّيرَانَ، وَانْهَزَمَ أَصْحَابُ أَبِي يَزِيدَ (وَقُتِلُوا قَتْلًا ذَرِيعًا، وَدَخَلَ أَبُو يَزِيدَ) وَأَوْلَادُهُ وَأَعْيَانُ أَصْحَابِهِ إِلَى قَصْرٍ فِي الْقَلْعَةِ، فَاجْتَمَعُوا فِيهِ، فَاحْتَرَقَتْ أَبْوَابُهُ وَأَدْرَكَهُمُ الْقَتْلُ، فَأَمَرَ الْمَنْصُورُ بِإِشْعَالِ النَّارِ فِي شِعَارِي الْجَبَلِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ لِئَلًا يَهْرَبَ أَبُو يَزِيدَ، فَصَارَ اللَّيْلُ كَالنَّهَارِ.
فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ، خَرَجَ أَصْحَابُهُ وَهُمْ يَحْمِلُونَهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَحَمَلُوا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute