النَّاسِ حَمْلَةً مُنْكَرَةً، فَأَفْرَجُوا لَهُمْ، فَنَجَوْا بِهِ، وَنَزَلَ مِنَ الْقَلْعَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَأُخِذُوا، فَأَخْبَرُوا بِخُرُوجِ أَبِي يَزِيدَ، فَأَمَرَ الْمَنْصُورُ يَطْلُبُهُ، وَقَالَ: مَا أَظُنُّهُ إِلَّا قَرِيبًا مِنَّا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أُتِيَ بِأَبِي يَزِيدَ، وَذَلِكَ أَنَّ ثَلَاثَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَمَلُوهُ مِنَ الْمَعْرَكَةِ ثُمَّ وَلَّوْا عَنْهُ، وَإِنَّمَا حَمَلُوهُ لِقُبْحِ عَرَجِهِ، فَذَهَبَ لِيَنْزِلَ مِنَ الْوَعْرِ، فَسَقَطَ فِي مَكَانٍ صَعْبٍ، فَأُدْرِكَ فَأُخِذَ وَحُمِلَ إِلَى الْمَنْصُورِ، فَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ - تَعَالَى، وَالنَّاسُ يُكَبِّرُونَ حَوْلَهُ، وَبَقِيَ عِنْدَهُ إِلَى سَلْخِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَمَاتَ مِنَ الْجِرَاحِ الَّتِي بِهِ، فَأَمَرَ بِإِدْخَالِهِ فِي قَفَصٍ عُمِلَ لَهُ، وَجَعَلَ مَعَهُ قِرْدَيْنِ يَلْعَبَانِ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بِسَلْخِ جِلْدِهِ وَحَشَاهُ تِبْنًا، وَأَمَرَ بِالْكُتُبِ إِلَى سَائِرِ الْبِلَادِ بِالْبِشَارَةِ.
ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِ عِدَّةُ خَوَارِجَ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ خَزَرٍ، فَظَفِرَ بِهِ الْمَنْصُورُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَكَانَ يُرِيدُ نُصْرَةَ أَبِي يَزِيدَ، وَخَرَجَ أَيْضًا فَضْلُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، وَأَفْسَدَ وَقَطَعَ الطَّرِيقَ، فَغَدَرَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَقَتَلَهُ، وَحَمَلَ رَأْسَهُ إِلَى الْمَنْصُورِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] أَيْضًا، وَعَادَ الْمَنْصُورُ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ، فَدَخَلَهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ.
ذِكْرُ قَتْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَرِيدِيِّ وَإِحْرَاقِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، قَدِمَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَرِيدِيُّ إِلَى بَغْدَاذَ مُسْتَأْمِنًا إِلَى تُوزُونَ، فَأَمَّنَهُ، وَأَنْزَلَهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ شَيْرَزَادَ إِلَى جَانِبِ دَارِهِ، وَأَكْرَمَهُ، وَطَلَبَ أَنْ يُقَوِّيَ يَدَهُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ، وَضَمِنَ أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ الْبَصْرَةَ يُوصِلُ لَهُ مَالًا كَثِيرًا، فَوَعَدُوهُ النَّجْدَةَ وَالْمُسَاعَدَةَ، فَأَنْفَذَ ابْنُ أَخِيهِ مِنَ الْبَصْرَةِ مَالًا كَثِيرًا (خَدَمَ بِهِ) تُوزُونَ وَابْنَ شَيْرَزَادَ، فَأَنْفَذُوا لَهُ الْخِلَعَ وَأَقَرُّوهُ عَلَى عَمَلِهِ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَبُو الْحُسَيْنِ بِذَلِكَ سَعَى فِي أَنْ يَكْتُبَ لِتُوزُونَ، وَيَقْبِضَ عَلَى ابْنِ شَيْرَزَادَ، فَعَلَمَ ابْنُ شَيْرَزَادَ بِذَلِكَ، فَسَعَى بِهِ إِلَى أَنْ قُبِضَ عَلَيْهِ، وَقُيِّدَ وَضُرِبَ ضَرْبًا عَنِيفًا، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُوسَى الْهَاشِمِيُّ قَدْ أَخَذَ أَيَّامَ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ فَتْوَى الْفُقَهَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute