وَازْدَادَ أَمْرُ الْخِلَافَةِ إِدْبَارًا، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ الْبَتَّةَ، وَقَدْ كَانُوا يُرَاجَعُونَ وَيُؤْخَذُ أَمْرُهُمْ فِيمَا يُفْعَلُ، وَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ بَعْضَ الشَّيْءِ، فَلَمَّا كَانَ أَيَّامُ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، زَالَ ذَلِكَ جَمِيعُهُ، بِحَيْثُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وَزِيرٌ، إِنَّمَا كَانَ لَهُ كَاتِبٌ يُدَبِّرُ أَقْطَاعَهُ وَإِخْرَاجَاتِهِ لَا غَيْرَ، وَصَارَتِ الْوِزَارَةُ لِمُعِزِّ الدَّوْلَةِ يَسْتَوْزِرُ لِنَفْسِهِ مَنْ يُرِيدُ.
وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْلَمَ كَانُوا يَتَشَيَّعُونَ، وَيُغَالُونَ فِي التَّشَيُّعِ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْعَبَّاسِيِّينَ قَدْ غَصَبُوا الْخِلَافَةَ وَأَخَذُوهَا مِنْ مُسْتَحِقِّيهَا، فَلَمْ يَكُنْ (عِنْدَهُمْ) بَاعِثٌ دِينِيٌّ يَحُثُّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، حَتَّى لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مُعِزَّ الدَّوْلَةِ اسْتَشَارَ جَمَاعَةً مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِهِ فِي إِخْرَاجِ الْخِلَافَةِ مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَالْبَيْعَةِ لِلْمُعِزِّ لِدِينِ اللَّهِ الْعَلَوِيِّ، أَوْ لِغَيْرِهِ مِنَ الْعَلَوِيِّينَ، فَكُلُّهُمْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مَا عَدَا بَعْضَ خَوَاصِّهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِرَأْيٍ فَإِنَّكَ الْيَوْمَ مَعَ خَلِيفَةٍ تَعْتَقِدُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْخِلَافَةِ، وَلَوْ أَمَرْتَهُمْ بِقَتْلِهِ لَقَتَلُوهُ (مُسْتَحِلِّينَ دَمَهُ) ، وَمَتَى أَجْلَسْتَ بَعْضَ الْعَلَوِيِّينَ خَلِيفَةً، كَانَ مَعَكَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ صِحَّةَ خِلَافَتِهِ، فَلَوْ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِكَ لَفَعَلُوهُ، فَأَعْرِضْ عَنْ ذَلِكَ، فَهَذَا كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي زَوَالِ أَمْرِهِمْ وَنَهْبِهِمْ مَعَ حُبِّ الدُّنْيَا وَطَلَبِ التَّفَرُّدِ بِهَا.
وَتَسَلَّمَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ الْعِرَاقَ بِأَسْرِهِ، وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِ الْخَلِيفَةِ مِنْهُ شَيْءٌ الْبَتَّةَ، إِلَّا مَا أَقْطَعَهُ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ مِمَّا يَقُومُ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ وَمُعِزِّ الدَّوْلَةِ
وَفِيهَا فِي رَجَبٍ، سَيَّرَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ عَسْكَرًا فِيهِمْ مُوسَى فَيَادَةَ وَيَنَالُ كُوشَةَ إِلَى الْمَوْصِلِ (فِي مُقَدِّمَتِهِ، فَلَمَّا نَزَلُوا عُكْبَرَا أَوْقَعَ يَنَالُ كُوشَةَ بِمُوسَى فَيَادَةَ) ، (وَنُهِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute