وَأَسْفَهْدُوَسْتَ بِالْعُبُورِ، ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بَاقِيَ الْعَسْكَرِ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يَعْبُرُ فِي قُطْرَبُّلَ، وَسَارَ لَيْلًا وَمَعَهُ الْمَشَاعِلُ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ، فَسَارَ أَكْثَرُ عَسْكَرِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بِإِزَائِهِ لِيَمْنَعُوهُ مِنَ الْعُبُورِ، فَتَمَكَّنَ الصَّيْمَرِيُّ وَأَسْفَهْدُوَسْتُ مِنَ الْعُبُورِ، فَعَبَرُوا وَتَبِعَهُمْ أَصْحَابُهُمْ.
فَلَمَّا عَلِمَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بِعُبُورِ أَصْحَابِهِ عَادَ إِلَى مَكَانِهِ، فَعَلِمُوا بِحِيلَتِهِ، فَلَقِيَهُمْ يَنَالُ كُوشَةَ فِي جَمَاعَةِ أَصْحَابِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، فَهَزَمُوهُ وَاضْطَرَبَ عَسْكَرُ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، وَمَلَكَ الدَّيْلَمُ الْجَانِبَ الشَّرْقِيَّ، وَأُعِيدَ الْخَلِيفَةَ إِلَى دَارِهِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، وَغَنِمَ الدَّيْلَمُ وَنَهَبُوا أَمْوَالَ النَّاسِ بِبَغْدَاذَ، فَكَانَ مِقْدَارُ مَا غَنَمُوهُ وَنَهَبُوهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمَعْرُوفِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ عَشَرَةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَمَرَهُمْ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بِرَفْعِ السَّيْفِ وَالْكَفِّ عَنِ النَّهْبِ، وَأَمَّنَ النَّاسَ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَأَمَرَ وَزِيرَهُ أَبَا جَعْفَرٍ الصَّيْمَرِيَّ، فَرَكِبَ وَقَتَلَ وَصَلَبَ جَمَاعَةً، وَطَافَ بِنَفْسِهِ فَامْتَنَعُوا.
وَاسْتَقَرَّ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بِبَغْدَاذَ، وَأَقَامَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ بِعُكْبَرَا، وَأَرْسَلَ فِي الصُّلْحِ بِغَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْأَتْرَاكِ التُّوزُونِيَّةِ، فَهَمُّوا بِقَتْلِهِ، فَسَارَ عَنْهُمْ مُجِدًّا نَحْوَ الْمَوْصِلِ.
ثُمَّ اسْتَقَرَّ الصُّلْحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] .
ذِكْرُ وَفَاةِ الْقَائِمِ وَوَلَايَةِ الْمَنْصُورِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ الْعَلَوِيُّ صَاحِبُ إِفْرِيقِيَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ شَوَّالٍ، وَقَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ وَتُلُقِّبَ الْمَنْصُورُ بِاللَّهِ، وَكَتَمَ مَوْتَهُ خَوْفًا أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ أَبُو يَزِيدَ، وَهُوَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ عَلَى سُوسَةَ، وَأَبْقَى الْأُمُورَ عَلَى حَالِهَا، وَلَمْ يَتَسَمَّ بِالْخَلِيفَةِ، وَلَمْ يُغَيِّرِ السِّكَّةَ، وَلَا الْخُطْبَةَ، وَلَا الْبُنُودَ، وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ فَرَغَ مِنْ أَمْرِ أَبِي يَزِيدَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ أَظْهَرَ مَوْتَهُ، وَتَسَمَّى بِالْخِلَافَةِ، وَعَمِلَ آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْمَرَاكِبِ، وَكَانَ شَهْمًا شُجَاعًا وَضَبَطَ الْمُلْكَ وَالْبِلَادَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute