خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، وَقَتَلُوا جَمَاعَةً مِنْ رِجَالِهِ، وَأَفْلَتَ عَطَّافٌ هَارِبًا بِنَفْسِهِ إِلَى الْحِصْنِ، فَأَخَذُوا أَعْلَامَهُ وَطُبُولَهُ وَانْصَرَفُوا إِلَى دِيَارِهِمْ، فَأَرْسَلَ أَبُو عَطَّافٍ إِلَى الْمَنْصُورِ يُعْلِمُهُ الْحَالَ وَيَطْلُبُ الْمَدَدَ.
فَلَمَّا عَلِمَ الْمَنْصُورُ ذَلِكَ، اسْتَعْمَلَ عَلَى الْوَلَايَةِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ، فَسَارَ فِي الْمَرَاكِبِ، فَأَرْسَى بِمَدِينَةِ مَازَرَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَبَقِيَ يَوْمَهُ، فَأَتَاهُ فِي اللَّيْلِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ إِفْرِيقِيَّةَ، وَكُتَامَةَ، وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ خَافُوا الْحُضُورَ عِنْدَهُ مِنِ ابْنِ الطَّبَرِيِّ وَمَنِ اتَّفَقَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادَ، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ الطَّبَرِيِّ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَبْدُونَ، وَغَيْرَهُمَا قَدْ سَارُوا إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، وَأَوْصَوْا بَنِيهِمْ لِيَمْنَعُوهُ مِنْ دُخُولِ الْبَلَدِ، وَمُفَارَقَةِ مَرَاكِبِهِ إِلَى أَنْ تَصِلَ كُتُبُهُمْ بِمَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْمَنْصُورِ، وَقَدْ مَضَوْا يَطْلُبُونَ أَنْ يُوَلِّيَ الْمَنْصُورُ غَيْرَهُ.
ثُمَّ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الطَّبَرِيِّ وَمَنْ مَعَهُ لِيُشَاهِدُوا مَنْ مَعَهُ، فَرَأَوْهُ فِي قِلَّةٍ، فَطَمِعُوا فِيهِ، وَخَادَعُوهُ وَخَادَعَهُمْ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَدْ وَعَدَهُمْ أَنَّهُ يُقِيمُ بِمَكَانِهِ إِلَى أَنْ يَعُودُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا فَارَقُوهُ جَدَّ السَّيْرَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَجْمَعُوا أَصْحَابَهُمْ وَيَمْنَعُوهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْبَيْضَاءِ، أَتَاهُ حَاكِمُ الْبَلَدِ وَأَصْحَابُ الدَّوَاوِينِ، وَكُلُّ مَنْ يُرِيدُ الْعَافِيَةَ، فَلَقِيَهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ، وَسَأَلَهُمْ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، فَلَمَّا سَمِعَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الطَّبَرِيِّ بِخُرُوجِ هَذَا الْجَمْعِ إِلَيْهِ، اضْطُرَّ إِلَى الْخُرُوجِ إِلَيْهِ، فَلَقِيَهُ الْحَسَنُ وَأَكْرَمَهُ وَعَادَ إِلَى دَارِهِ، وَدَخَلَ الْحَسَنُ الْبَلَدَ، وَمَالَ إِلَيْهِ كُلُّ مُنْحَرِفٍ عَنْ بَنِي الطَّبَرِيِّ وَمَنْ مَعَهُمْ.
فَلَمَّا رَأَى ابْنُ الطَّبَرِيِّ ذَلِكَ، أَمَرَ رَجُلًا صِقِلِّيًّا، فَدَعَا بَعْضَ عَبِيدِ الْحَسَنِ وَكَانَ مَوْصُوفًا بِالشَّجَاعَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ بَيْتَهُ، خَرَجَ الرَّجُلُ يَسْتَغِيثُ وَيَصِيحُ وَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا دَخَلَ بَيْتِي، وَأَخَذَ امْرَأَتِي بِحَضْرَتِي غَصْبًا، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْبَلَدِ لِذَلِكَ، وَحَرَّكَهُمُ ابْنُ الطَّبَرِيِّ وَخَوَّفَهُمْ وَقَالَ: هَذَا فِعْلُهُمْ، وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ الْبَلَدِ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْحُضُورِ عِنْدَ الْحَسَنِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ مَمْلُوكَهُ، فَيَثُورُ النَّاسُ بِهِ، فَيُخْرِجُونَهُ مِنَ الْبَلَدِ.
فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ، وَذَلِكَ الرَّجُلُ يَصِيحُ وَيَسْتَغِيثُ، أَحْضَرَهُ الْحَسَنُ عِنْدَهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ، فَحَلَّفَهُ بِاللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى مَا يَقُولُ، فَحَلَفَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْغُلَامِ فَقُتِلَ، فَسُّرَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute