للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: تَمَنَّيْتُ أَنْ أَمْلِكَ وَأَسْتَعْمِلَ هَذَا الرَّجُلَ الشَّرِيفَ، يَعْنِي الْمُنْذِرَ، وَأَنْ أَقْتُلَ هَذِهِ الزَّنَادِقَةَ. فَقَالَ مَزْدَكُ: أَوَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَقْتُلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ؟ فَقَالَ: وَإِنَّكَ هَاهُنَا يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ! وَاللَّهِ مَا ذَهَبَ نَتَنُ رِيحِ جَوْرَبِكَ مِنْ أَنْفِي مُنْذُ قَبَّلْتُ رِجْلَكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا. وَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ وَصُلِبَ. وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَا بَيْنَ جَازِرَ إِلَى النَّهْرَوَانِ وَإِلَى الْمَدَائِنِ فِي ضَحْوَةٍ وَاحِدَةٍ مِائَةَ أَلْفِ زِنْدِيقٍ وَصَلَبَهُمْ، وَسُمِّيَ يَوْمَئِذٍ أَنُوشِرْوَانُ.

وَطَلَبَ أَنُوشِرْوَانُ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ وَهُوَ بِالْأَنْبَارِ، فَخَرَجَ هَارِبًا فِي صَحَابَتِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ، فَمَرَّ بِالثَّوِيَّةِ، فَتَبِعَهُ الْمُنْذِرُ بِالْخَيْلِ مِنْ تَغْلِبَ وَإِيَادَ وَبَهْرَاءَ، فَلَحِقَ بِأَرْضِ كَلْبٍ وَنَجَا وَانْتَهَبُوا مَالَهُ وَهَجَائِنَهُ، وَأَخَذَتْ بَنُو تَغْلِبَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ نَفْسًا مِنْ بَنِي آكِلِ الْمُرَارِ فَقَدِمُوا بِهِمْ عَلَى الْمُنْذِرِ، فَضَرَبَ رِقَابَهُمْ بِجَفْرِ الْأَمْلَاكِ فِي دِيَارِ بَنِي مَرِينَ الْعَبَّادِيِّينَ بَيْنَ دَيْرِ بَنِي هِنْدٍ وَالْكُوفَةِ، فَذَلِكَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:

فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا ... وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا.

وَفِيهِمْ يَقُولُ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

مُلُوكٌ مِنْ بَنِي حُجْرِ بْنِ عَمْرٍو ... يُسَاقُونَ الْعَشِيَّةَ يَقْتُلُونَا.

فَلَوْ فِي يَوْمِ مَعْرَكَةٍ أُصِيبُوا ... وَلَكِنْ فِي دِيَارِ بَنِي مَرِينَا

وَلَمْ تُغْسَلْ جَمَاجِمُهُمْ بِغُسْلٍ ... وَلَكِنْ فِي الدِّمَاءِ مُرَمَّلِينَا

تَظَلُّ الطَّيْرُ عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ ... وَتَنْتَزِعُ الْحَوَاجِبَ وَالْعَيُونَا

<<  <  ج: ص:  >  >>