للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا قَتَلَ أَنُوشِرْوَانُ مَزْدَكَ وَأَصْحَابَهُ، أَمَرَ بِقَتْلِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَرَدَّ الْأَمْوَالَ إِلَى أَهْلِهَا، وَأَمَرَ بِكُلِّ مَوْلُودٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَنْ يَلْحَقَ بِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ أَبُوهُ، وَأَنْ يُعْطَى نَصِيبًا مِنْ مِلْكِ الرَّجُلِ الَّذِي يُسْنَدُ إِلَيْهِ إِذَا قَبِلَهُ الرَّجُلُ، وَبِكُلِّ امْرَأَةٍ غُلِبَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَنْ يُؤْخَذَ مَهْرُهَا مِنَ الْغَالِبِ، ثُمَّ تُخَيَّرَ الْمَرْأَةُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ عِنْدَهُ وَبَيْنَ فِرَاقِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا زَوْجٌ فَتُرَدَّ إِلَيْهِ.

وَأَمَرَ بِعِيَالِ ذَوِي الْأَحْسَابِ الَّذِينَ مَاتَ قَيِّمُهُمْ فَأَنْكَحَ بَنَاتِهِمُ الْأَكْفَاءَ، وَجَهَّزَهُنَّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَأَنْكَحَ نِسَاءَهُمْ مِنَ الْأَشْرَافِ، وَاسْتَعَانَ بِأَبْنَائِهِمْ فِي أَعْمَالِهِ، وَعَمَّرَ الْجُسُورَ وَالْقَنَاطِرَ، وَأَصْلَحَ الْخَرَابَ، وَتَفَقَّدَ الْأَسَاوِرَةَ وَأَعْطَاهُمْ، وَبَنَى فِي الطُّرُقِ الْقُصُورَ وَالْحُصُونَ، وَتَخَيَّرَ الْوُلَاةَ وَالْعُمَّالَ وَالْحُكَّامَ، وَاقْتَدَى بِسِيرَةِ أَرْدَشِيرَ، وَارْتَجَعَ بِلَادًا كَانَتْ مَمْلَكَةَ الْفُرْسِ، مِنْهَا: السِّنْدُ وَسِنْدُوسِتْ وَالرُّخَّجُ وَزَابُلِسْتَانُ وَطَخَارِسْتَانُ، وَأَعْظَمَ الْقَتْلَ فِي الْبَازِرِ وَأَجْلَى بَقِيَّتَهُمْ عَنْ بِلَادِهِ.

وَاجْتَمَعَ أَبْخَزُ وَبَنْجَرُ وَبَلَنْجَرُ وَاللَّانُ عَلَى قَصْدِ بِلَادِهِ، فَقَصَدُوا أَرْمِينِيَّةَ لِلْغَارَةِ عَلَى أَهْلِهَا، وَكَانَ الطَّرِيقُ سَهْلًا، فَأَمْهَلَهُمْ كِسْرَى حَتَّى تَوَغَّلُوا فِي الْبِلَادِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ جُنُودًا، فَقَاتَلُوهُمْ فَأَهْلَكُوهُمْ مَا خَلَا عَشَرَةَ آلَافِ رَجُلٍ أُسِرُوا فَأُسْكِنُوا أَذْرَبِيجَانَ.

وَكَانَ لِكِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ وَلَدٌ هُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهِ اسْمُهُ أَنُوشَزَادَ، فَبَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ، فَسَيَّرَهُ إِلَى جُنْدَيْسَابُورَ وَجَعَلَ مَعَهُ جَمَاعَةً يَثِقُ بِدِينِهِمْ لِيُصْلِحُوا دِينَهُ وَأَدَبَهُ. فَبَيْنَمَا هُمْ عِنْدَهُ إِذْ بَلَغَهُ خَبَرُ مَرَضِ وَالِدِهِ لَمَّا دَخَلَ بِلَادَ الرُّومِ، فَوَثَبَ بِمَنْ عِنْدَهُ فَقَتَلَهُمْ وَأَخْرَجَ أَهْلَ السُّجُونِ فَاسْتَعَانَ بِهِمْ وَجَمَعَ عِنْدَهُ جُمُوعًا مِنَ الْأَشْرَارِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ نَائِبَ أَبِيهِ بِالْمَدَائِنِ عَسْكَرًا، فَحَصَرُوهُ بِجُنْدَيْسَابُورَ، وَأَرْسَلَ الْخَبَرَ إِلَى كِسْرَى، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالْجِدِّ فِي أَمْرِهِ وَأَخْذِهِ أَسِيرًا، فَاشْتَدَّ الْحِصَارُ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ وَدَخَلَ الْعَسَاكِرُ الْمَدِينَةَ عَنْوَةً فَقَتَلُوا بِهَا خَلْقًا كَثِيرًا وَأَسَرُوا أَنُوشَزَادَ، فَبَلَغَهُ خَبَرُ جَدِّهِ لِأُمِّهِ الدَّاوُرِ الرَّازِيِّ، فَوَثَبَ بِعَامِلِ سِجِسْتَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>