وَقَاتَلَهُ، فَهَزَمَهُ الْعَامِلُ، فَالْتَجَأَ إِلَى مَدِينَةِ الرُّخَّجِ وَامْتَنَعَ بِهَا، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى يَعْتَذِرُ وَيَسْأَلُهُ أَنْ يُنْفِذَ إِلَيْهِ مَنْ يُسَلِّمُ لَهُ الْبَلَدَ، فَفَعَلَ وَآمَنُهُ.
وَكَانَ الْمَلِكُ فَيْرُوزُ قَدْ بَنَى بِنَاحِيَةِ صُولٍ وَاللَّانِ بِنَاءً يُحَصِّنُ بِهِ بِلَادَهُ، وَبَنَى عَلَيْهِ ابْنُهُ قُبَاذُ زِيَادَةً، فَلَمَّا مَلَكَ كِسْرَى أَنُوشِرْوَانُ بَنَى فِي نَاحِيَةِ صُولٍ وَجُرْجَانَ بِنَاءً كَثِيرًا وَحُصُونًا حَصَّنَ بِهَا بِلَادَهُ جَمِيعَهَا.
وَإِنَّ سَيْجَيُورْ خَاقَانَ قَصَدَ بِلَادَهُ، وَكَانَ أَعْظَمَ التُّرْكِ، وَاسْتَمَالَ الْخَزَرَ وَأَبْخَزَ وَبَلَنْجَرَ، فَأَطَاعُوهُ، فَأَقْبَلَ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ وَكَتَبَ إِلَى كِسْرَى يَطْلُبُ مِنْهُ الْإِتَاوَةَ وَيَتَهَدَّدُهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَمْ يُجِبْهُ كِسْرَى إِلَى شَيْءٍ مِمَّا طَلَبَ لِتَحْصِينِهِ بِلَادَهُ، وَإِنَّ ثَغْرَ أَرْمِينِيَّةَ قَدْ حَصَّنَهُ، فَصَارَ يَكْتَفِي بِالْعَدَدِ الْيَسِيرِ، فَقَصَدَهُ خَاقَانُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَعَادَ خَائِبًا، وَهَذَا خَاقَانُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ وِرْدَ مَلِكِ الْهَيَاطِلَةِ وَأَخَذَ كَثِيرًا مِنْ بِلَادِهِمْ.
ذِكْرُ مُلْكِ كِسْرَى بِلَادَ الرُّومِ
كَانَ بَيْنَ كِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ وَبَيْنَ غَطْيَانُوسْ مَلِكِ الرُّومِ هُدْنَةٌ، فَوَقَعَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ، كَانَ مَلَّكَهُ غَطْيَانُوسْ عَلَى عَرَبِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ خَالِدُ بْنُ جَبَلَةَ، وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ لَخْمٍ كَانَ مَلَّكَهُ كِسْرَى عَلَى عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ وَالْيَمَامَةِ إِلَى الطَّائِفِ وَسَائِرِ الْحِجَازِ يُقَالُ لَهُ الْمُنْذِرُ بْنُ النُّعْمَانِ، فِتْنَةٌ، فَأَغَارَ خَالِدٌ عَلَى ابْنِ النُّعْمَانِ، فَقَتَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَغَنِمَ أَمْوَالَهُ ; فَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى غَطْيَانُوسْ يُذَكِّرُهُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْعَهْدِ وَالصُّلْحِ وَيُعْلِمُهُ مَا لَقِيَ الْمُنْذِرُ مِنْ خَالِدٍ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَأْمُرَ خَالِدًا بِرَدِّ مَا غَنِمَ إِلَى الْمُنْذِرِ، وَيَدْفَعَ لَهُ دِيَةَ مَنْ قَتَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَيُنْصِفَهُ مِنْ خَالِدٍ، وَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ يَنْقُضُ الصُّلْحَ. وَوَالَى الْكُتُبَ إِلَى غَطْيَانُوسْ فِي إِنْصَافِ الْمُنْذِرِ، فَلَمْ يَحْفِلْ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute