مِنْهُ ثُمَّ يَهْرُبُونَ عَنْهُ، وَكَانَ اعْتِمَادُ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ عَلَى أَصْحَابِهِ الْأَتْرَاكِ وَمَمَالِيكِهِ وَنَفَرٍ يَسِيرٍ مِنَ الدَّيْلَمِ.
فَلَمَّا كَانَ سَلْخُ رَمَضَانَ، أَرَادَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ الْعُبُورَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ يَثِقُ بِهِمْ إِلَى مُحَارَبَةِ رُوزْبَهَانَ، فَاجْتَمَعَ الدَّيْلَمُ وَقَالُوا لِمُعِزِّ الدَّوْلَةِ: إِنْ كُنَّا رِجَالَكَ، فَأَخْرِجْنَا مَعَكَ نُقَاتِلْ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَإِنَّهُ لَا صَبْرَ لَنَا عَلَى الْقُعُودِ مَعَ الصِّبْيَانِ وَالْغِلْمَانِ، فَإِنْ ظَفِرْتَ كَانَ الِاسْمُ لِهَؤُلَاءِ دُونَنَا، وَإِنْ ظَفِرَ عَدُوُّكَ لَحِقَنَا الْعَارُ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا الْكَلَامَ خَدِيعَةً لِيُمَكِّنَهُمْ مِنَ الْعُبُورِ مَعَهُ فَيَتَمَكَّنُوا (مِنْهُ، فَلَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُمْ) سَأَلَهُمُ التَّوَقُّفَ، وَقَالَ: إِنَّمَا أُرِيدُ [أَنْ] أَذُوقَ حَرْبَهُمْ ثُمَّ أَعُودُ، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ لَقِينَاهُمْ بِأَجْمَعِنَا وَنَاجَزْنَاهُمْ، وَكَانَ يُكْثِرُ لَهُمُ الْعَطَاءَ فَأَمْسَكُوا عَنْهُ.
وَعَبَرَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ، وَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ كَرَادِيسَ تَتَنَاوَبُ الْحَمَلَاتِ، فَمَا زَالُوا كَذَلِكَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَفَنِيَ نُشَّابُ الْأَتْرَاكِ وَتَعِبُوا، وَشَكَوْا إِلَى مُعِزِّ الدَّوْلَةِ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ التَّعَبِ، وَقَالُوا: نَسْتَرِيحُ اللَّيْلَةَ وَنَعُودُ غَدًا، فَعَلِمَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ أَنَّهُ إِنْ رَجَعَ، زَحَفَ إِلَيْهِ رُوزْبَهَانُ وَالدَّيْلَمُ، وَثَارَ مَعَهُمْ أَصْحَابُهُ الدَّيْلَمُ، فَيَهْلَكُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْهَرَبُ، فَبَكَى بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ سَرِيعَ الدَّمْعَةِ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ أَنْ تُجْمَعَ الْكَرَادِيسُ كُلُّهَا وَيَحْمِلُوا حَمْلَةً وَاحِدَةً، (وَهُوَ فِي أَوَّلِهِمْ) ، فَإِمَّا أَنْ يَظْفَرُوا، وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ (أَوَّلَ مَنْ يُقْتَلُ) ، فَطَالَبُوهُ بِالنُّشَّابِ، فَقَالَ: قَدْ بَقِيَ مَعَ صِغَارِ الْغِلْمَانِ نُشَّابٌ، فَخُذُوهُ وَاقْسِمُوهُ.
وَكَانَ جَمَاعَةٌ صَالِحَةٌ مِنَ الْغِلْمَانِ الْأَصَاغِرِ تَحْتَهُمُ الْخَيْلُ الْجِيَادُ، وَعَلَيْهِمُ اللُّبْسُ الْجَيِّدُ، وَكَانُوا سَأَلُوا مُعِزَّ الدَّوْلَةِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الْحَرْبِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَقَالَ: إِذَا جَاءَ وَقْتٌ يَصْلُحُ لَكُمْ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الْقِتَالِ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ تِلْكَ السَّاعَةِ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُمُ النُّشَّابَ، وَأَوْمَأَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ اقْبَلُوا مِنْهُ وَسَلِّمُوا إِلَيْهِ النُّشَّابَ، فَظَنُّوا أَنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِالْحَمْلَةِ، فَحَمَلُوا وَهُمْ مُسْتَرِيحُونَ، فَصَدَمُوا صُفُوفَ رُوزْبَهَانَ فَخَرَقُوهَا، وَأَلْقَوْا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ، فَصَارُوا خَلْفَهُمْ، وَحَمَلَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ فَيْمَنْ مَعَهُ بِاللَّتُوتِ، فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى رُوزْبَهَانَ وَأَصْحَابِهِ، وَأُخِذَ رُوزْبَهَانُ أَسِيرًا وَجَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِهِ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَتَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute