وَجَمَاعَةٌ مِنْ بَطَارِقَتِهِ، فَلَمَّا قُتِلَ انْهَزَمَ الرُّومُ أَقْبَحَ هَزِيمَةٍ، وَأَكْثَرَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمُ الْقَتْلَ، وَوَصَلَ الْمُنْهَزِمُونَ إِلَى جَرْفِ خَنْدَقٍ عَظِيمٍ كَالْحُفْرَةِ، فَسَقَطُوا فِيهَا مِنْ خَوْفِ السَّيْفِ، فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى امْتَلَأَتْ، وَكَانَتِ الْحَرْبُ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى الْعَصْرِ، وَبَاتَ الْمُسْلِمُونَ يُقَاتِلُونَهُمْ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَغَنِمُوا مِنَ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ، وَصُنُوفِ الْأَمْوَالِ مَا لَا يُحَدُّ.
وَكَانَ فِي جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ سَيْفٌ هِنْدِيٌّ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ: هَذَا سَيْفٌ هِنْدِيٌّ، وَزْنُهُ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ مِثْقَالًا، طَالَمَا ضُرِبَ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُرْسِلَ إِلَى الْمُعِزِّ مَعَ الْأَسْرَى وَالرُّءُوسِ، وَسَارَ مَنْ سَلِمَ مِنَ الرُّومِ إِلَى رَيُّو.
وَأَمَّا أَهْلُ رَمْطَةَ فَإِنَّهُمْ ضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ، وَكَانَتِ الْأَقْوَاتُ قَدْ قَلَّتْ عِنْدَهُمْ، فَأَخْرَجُوا مَنْ فِيهَا مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَبَقِيَ الْمُقَاتِلَةُ، فَزَحَفَ إِلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ وَقَاتَلُوهُمْ إِلَى اللَّيْلِ، (وَلَزِمُوا) الْقِتَالَ فِي اللَّيْلِ أَيْضًا، وَتَقَدَّمُوا بِالسَّلَالِيمِ فَمَلَكُوهَا عَنْوَةً، وَقَتَلُوا مَنْ فِيهَا، وَسَبَوُا الْحُرَمَ وَالصِّغَارَ، وَغَنِمُوا مَا فِيهَا، وَكَانَ شَيْئًا كَثِيرًا عَظِيمًا، وَرَتَّبَ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُعَمِّرُهَا وَيُقِيمُ فِيهَا.
ثُمَّ إِنَّ الرُّومَ تَجَمَّعَ مَنْ سَلِمَ مِنْهَا، وَأَخَذُوا مَعَهُمْ مَنْ فِي صِقِلِّيَةَ وَجَزِيرَةِ رَيُّو مِنْهُمْ، وَرَكِبُوا مَرَاكِبَهُمْ يَحْفَظُونَ نُفُوسَهُمْ، فَرَكِبَ الْأَمِيرُ أَحْمَدُ فِي عَسَاكِرِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي الْمَرَاكِبِ أَيْضًا، وَزَحَفَ إِلَيْهِمْ فِي الْمَاءِ وَقَاتَلَهُمْ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، وَأَلْقَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نُفُوسَهُمْ فِي الْمَاءِ، وَخَرَقُوا كَثِيرًا مِنَ الْمَرَاكِبِ الَّتِي لِلرُّومِ، (فَغَرِقَتْ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي الرُّومِ) ، فَانْهَزَمُوا لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَسَارَتْ سَرَايَا الْمُسْلِمِينَ فِي مَدَائِنِ الرُّومِ، فَغَنِمُوا مِنْهَا، فَبَذَلَ أَهْلُهَا لَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَهَادَنُوهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَهَذِهِ الْوَقْعَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِوَقْعَةِ الْمَجَازِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute