فَلَمَّا رَأَى الرُّومُ ذَلِكَ، خَافُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى مَلِكِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ يُعْلِمُونَهُ الْحَالَ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يَنْجِدَهُمْ بِالْعَسَاكِرِ، فَجَهَّزَ إِلَيْهِمْ عَسْكَرًا عَظِيمًا يَزِيدُونَ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، وَسَيَّرَهُمْ فِي الْبَحْرِ، فَوَصَلَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى الْأَمِيرِ أَحْمَدَ أَمِيرِ صِقِلِّيَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْمُعِزِّ بِإِفْرِيقِيَّةَ يَعْرِفُهُ ذَلِكَ وَيَسْتَمِدُّهُ، وَيَسْأَلُ إِرْسَالَ الْعَسَاكِرِ إِلَيْهِ سَرِيعًا، وَشَرَعَ هُوَ فِي إِصْلَاحِ الْأُسْطُولِ، وَالزِّيَادَةِ فِيهِ، وَجَمَعَ الرِّجَالَ الْمُقَاتِلَةَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
وَأَمَّا الْمُعِزُّ فَإِنَّهُ جَمَعَ الرِّجَالَ، وَحَشَدَ وَفَرَّقَ فِيهِمُ الْأَمْوَالَ الْجَلِيلَةَ، وَسَيَّرَهُمْ مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَالِدِ أَحْمَدَ، فَوَصَلُوا إِلَى صِقِلِّيَةَ فِي رَمَضَانَ، وَسَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحَاصِرُونَ رَمْطَةَ، فَكَانُوا مَعَهُمْ عَلَى حِصَارِهَا.
فَأَمَّا الرُّومُ فَإِنَّهُمْ وَصَلُوا أَيْضًا إِلَى صِقِلِّيَةَ، وَنَزَلُوا عِنْدَ مَدِينَةِ مَسِّينِي فِي شَوَّالٍ، وَزَحَفُوا مِنْهَا بِجُمُوعِهِمُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ صِقِلِّيَةَ مِثْلُهَا إِلَى رَمْطَةَ، فَلَمَّا سَمِعَ الْحَسَنُ بْنُ عَمَّارٍ مُقَدَّمُ الْجَيْشِ الَّذِينَ يُحَاصِرُونَ رَمْطَةَ ذَلِكَ، جَعَلَ عَلَيْهَا طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِهِ يَمْنَعُونَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، وَبَرَزَ بِالْعَسَاكِرِ لِلِقَاءِ الرُّومِ وَقَدْ عَزَمُوا عَلَى الْمَوْتِ، وَوَصَلَ الرُّومُ وَأَحَاطُوا بِالْمُسْلِمِينَ.
وَنَزَلَ أَهْلُ رَمْطَةَ إِلَى مَنْ يَلِيهِمْ لِيَأْتُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ ظُهُورِهِمْ، فَقَاتَلَهُمُ الَّذِينَ جُعِلُوا هُنَاكَ لِمَنْعِهِمْ، وَصَدُّوهُمْ عَمَّا أَرَادُوا، وَتَقَدَّمَ الرُّومُ إِلَى الْقِتَالِ، وَهُمْ مُدِلُّونَ بِكَثْرَتِهِمْ وَبِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْعُدَدِ وَغَيْرِهَا، وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ وَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَلْحَقَهُمُ الْعَدُوُّ بِخِيَامِهِمْ، وَأَيْقَنَ الرُّومُ بِالظَّفَرِ، فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ عِظَمَ مَا نَزَلْ بِهِمُ، اخْتَارُوا الْمَوْتَ، وَرَأَوْا أَنَّهُ أَسْلَمُ لَهُمْ، وَأَخَذُوا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
تَأَخَّرْتُ أَسْتَبْقِي الْحَيَاةَ فَلَمْ أَجِدْ ... لِنَفْسَي حَيَاةً مِثْلَ أَنْ أَتَقَدَّمَا.
فَحَمَلَ بِهِمُ الْحَسَنُ بْنُ عَمَّارٍ أَمِيرُهُمْ، وَحَمِيَ الْوَطِيسُ حِينَئِذٍ، وَحَرَّضَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بَطَارِقَةُ الرُّومِ، حَمَلُوا وَحَرَّضُوا عَسَاكِرَهُمْ.
وَحَمَلَ مَنْوِيلُ مُقَدَّمُ الرُّومِ، فَقَتَلَ فِي الْمُسْلِمِينَ، (فَطَعَنَهُ الْمُسْلِمُونَ) ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ لِكَثْرَةِ مَا عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ، فَرَمَى بَعْضُهُمْ فَرَسَهُ فَقَتَلَهُ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ عَلَيْهِ، فَقُتِلَ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute