إِلَى سِجِسْتَانَ، فَوَافَقَ وُصُولُهُ مَوْتَ طَاهِرٍ، وَانْتِصَابِ ابْنِهِ الْحُسَيْنِ مَكَانَهُ، فَحَاصَرَهُ خَلَفٌ وَضَايَقَهُ، وَكَثُرَ بَيْنَهُمُ الْقَتْلَى، وَاسْتَظْهَرَ خَلَفٌ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ كَتَبَ إِلَى بُخَارَى يَعْتَذِرُ وَيَتَنَصَّلُ، وَيُظْهِرُ الطَّاعَةَ، وَيَسْأَلُ الْإِقَالَةَ، فَأَجَابَهُ الْأَمِيرُ مَنْصُورٌ إِلَى مَا طَلَبَهُ، وَكَتَبَ فِي تَمْكِينِهِ مِنَ الْمَسِيرِ إِلَيْهِ فَسَارَ مِنْ سِجِسْتَانَ إِلَى بُخَارَى، فَأَحْسَنَ الْأَمِيرُ مَنْصُورٌ إِلَيْهِ.
وَاسْتَقَرَّ خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ بِسِجِسْتَانَ، وَدَامَتْ أَيَّامُهُ فِيهَا، وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُ وَرِجَالُهُ، فَقَطَعَ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ إِلَى بُخَارَى مِنَ الْخِلَعِ وَالْخَدَمِ وَالْأَمْوَالِ الَّتِي اسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَيْهَا، فَجُهِّزَتِ الْعَسَاكِرُ إِلَيْهِ، وَجُعِلَ مُقَدَّمُهَا الْحَسَنُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَذْكُورُ، فَسَارُوا إِلَى سِجِسْتَانَ، وَحَصَرُوا خَلَفَ بْنَ أَحْمَدَ بِحِصْنِ أَرَكَ، وَهُوَ مِنْ أَمْنَعِ الْحُصُونِ وَأَعْلَاهَا مَحَلًّا وَأَعْمَقِهَا خَنْدَقًا، فَدَامَ الْحِصَارُ عَلَيْهِ سَبْعَ سِنِينَ.
وَكَانَ خَلَفٌ يُقَاتِلُهُمْ بِأَنْوَاعِ السِّلَاحِ، وَيُعْمِلُ بِهِمْ أَنْوَاعَ الْحِيَلِ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِصَيْدِ الْحَيَّاتِ وَيَجْعَلُهَا فِي جِرَابٍ وَيَقْذِفُهَا فِي الْمَنْجَنِيقِ إِلَيْهِمْ، فَكَانُوا يَنْتَقِلُونَ لِذَلِكَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ.
فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ الْحِصَارُ، وَفَنِيَتِ الْأَمْوَالُ وَالْآلَاتُ، كَتَبَ نُوحُ بْنُ مَنْصُورٍ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ سِيمْجُورَ الَّذِي كَانَ أَمِيرَ جُيُوشِ خُرَاسَانَ، وَكَانَ حِينَئِذٍ قَدْ عُزِلَ عَنْهَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى خَلَفٍ وَمُحَاصَرَتِهِ، وَكَانَ بِقُوهِسْتَانَ، فَسَارَ مِنْهَا إِلَى سِجِسْتَانَ، وَحَصَرَ خَلَفًا، وَكَانَ بَيْنَهُمَا مَوَدَّةٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ يُشِيرُ عَلَيْهِ بِالنُّزُولِ عَنْ حِصْنِ أَرَكَ وَتَسْلِيمِهِ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ طَاهِرٍ، لِيَصِيرَ لِمَنْ قَدْ حَصَرَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ طَرِيقٌ وَحُجَّةٌ يَعُودُونَ بِهَا إِلَى بُخَارَى، فَإِذَا تَفَرَّقَتِ الْعَسَاكِرُ عَاوَدَ هُوَ مُحَارَبَةَ الْحُسَيْنِ (وَبَكْرُ بْنُ الْحُسَيْنِ مُفْرَدًا مِنَ) الْعَسَاكِرِ، فَقَبِلَ خَلَفٌ مَشُورَتَهُ، وَفَارَقَ حِصْنَ أَرَكَ إِلَى حِصْنِ الطَّارِقِ، وَدَخَلَ أَبُو الْحَسَنِ السِّيمْجُورِيُّ إِلَى أَرَكَ، وَأَقَامَ بِهِ الْخُطْبَةَ لِلْأَمِيرِ نُوحٍ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ، وَقَرَّرَ الْحُسَيْنُ بْنُ طَاهِرٍ فِيهِ.
وَسَنُورِدُ مَا يَتَجَدَّدُ فِيمَا بَعْدُ، وَكَانَ هَذَا أَوَّلَ وَهْنٍ دَخَلَ عَلَى دَوْلَةِ السَّامَانِيَّةِ، فَطَمِعَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ فِيهِمْ لِسُوءِ طَاعَةِ أَصْحَابِهِمْ لَهُمْ، وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نُورِدَ كُلَّ حَادِثٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute