ذِكْرُ خُرُوجِ عَسَاكِرِ خُرَاسَانَ وَمَوْتِ وَشْمَكِيرَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ جَهَّزَ الْأَمِيرُ مَنْصُورُ بْنُ نُوحٍ صَاحِبُ خُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْجُيُوشَ إِلَى الرَّيِّ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا عَلِيِّ بْنَ إِلْيَاسَ سَارَ مِنْ كَرْمَانَ إِلَى بُخَارَى مُلْتَجِئًا إِلَى الْأَمِيرِ مَنْصُورٍ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ أَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ، فَأَطْمَعَهُ فِي مَالِكِ بَنِي بُوَيْهٍ، وَحَسَّنَ لَهُ قَصْدَهَا، وَعَرَّفَهُ أَنَّ نُوَّابَهُ لَا يُنَاصِحُونَهُ، وَأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الرِّشَى مِنَ الدَّيْلَمِ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَا كَانَ يَذْكُرُهُ لَهُ وَشْمَكِيرُ، فَكَاتَبَ الْأَمِيرُ مَنْصُورٌ وَشْمَكِيرَ، وَالْحَسَنَ بْنَ الْفَيْرَزَانِ، يُعَرِّفُهُمَا مَا عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ قَصْدِ الرَّيِّ، وَيَأْمُرُهُمَا بِالتَّجَهُّزِ لِذَلِكَ لِيَسِيرَا مَعَ عَسْكَرِهِ.
ثُمَّ إِنَّهُ جَهَّزَ الْعَسَاكِرَ وَسَيَّرَهَا مَعَ صَاحِبِ جُيُوشِ خُرَاسَانَ، وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سِيمْجُورُ الدَّوَاتِيُّ، وَأَمَرَهُ بِطَاعَةِ وَشَمْكِيرَ، وَالِانْقِيَادِ لَهُ، وَالتَّصَرُّفِ بِأَمْرِهِ، وَجَعْلِهِ مُقَدَّمَ الْجُيُوشِ جَمِيعِهَا.
فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى رُكْنِ الدَّوْلَةِ أَتَاهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ، وَأَخْذَهُ الْمُقِيمَ الْمُقْعَدَ، وَعَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ، فَسَيَّرَ أَوْلَادَهُ وَأَهْلَهُ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَكَاتَبَ وَلَدَهُ عَضُدَ الدَّوْلَةِ يَسْتَمِدُّهُ، وَكَاتَبَ ابْنَ أَخِيهِ عِزَّ الدَّوْلَةِ بَخْتِيَارَ يَسْتَنْجِدُهُ أَيْضًا.
فَأَمَّا عَضُدُ الدَّوْلَةِ فَإِنَّهُ جَهَّزَ الْعَسَاكِرَ وَسَيَّرَهُمْ إِلَى طَرِيقِ خُرَاسَانَ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ قَصْدَ خُرَاسَانَ لِخُلُوِّهَا مِنَ الْعَسَاكِرِ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ أَهْلَ خُرَاسَانَ فَأَحْجَمُوا قَلِيلًا، ثُمَّ سَارُوا حَتَّى بَلَغُوا الدَّامَغَانَ، وَبَرَزَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ فِي عَسَاكِرِهِ مِنَ الرَّيِّ نَحْوَهُمْ، فَاتَّفَقَ مَوْتَ وَشْمِكِيرَ، فَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُ وَصَلَهُ مِنْ صَاحِبِ خُرَاسَانَ هَدَايَا مِنْ جُمْلَتِهَا خَيْلٌ، فَاسْتَعْرَضَ الْخَيْلَ وَاخْتَارَ أَحَدَهَا وَرَكِبَهُ لِلصَّيْدِ، فَعَارَضَهُ خِنْزِيرٌ قَدْ رُمِيَ بِحَرْبَةٍ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِيهِ، فَحَمَلَ الْخِنْزِيرُ عَلَى وَشْمَكِيرَ، وَهُوَ غَافِلٌ، فَضَرَبَ الْفَرَسَ، فَشَبَّ تَحْتَهُ، فَأَلْقَاهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَخَرَجَ الدَّمُ مِنْ أُذُنَيْهِ وَأَنْفِهِ، فَحُمِلَ مَيِّتًا، وَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، وَانْتَقَضَ جَمِيعُ مَا كَانُوا فِيهِ، وَكَفَى اللَّهُ رُكْنَ الدَّوْلَةِ شَرَّهُمْ.
وَلَمَّا مَاتَ وَشْمَكِيرُ قَامَ ابْنُهُ بِيسَتُونُ مَقَامَهُ، وَرَاسَلَ رُكْنَ الدَّوْلَةِ وَصَالَحَهُ، فَأَمَدَّ رُكْنَ الدَّوْلَةِ بِالْمَالِ وَالرَّجُلِ.
وَمِنْ أَعْجَبِ مَا يُحْكَى مِمَّا يُرَغِّبُ فِي حُسْنِ النِّيَّةِ وَكَرَمِ الْمَقْدِرَةِ أَنَّ وَشْمِكِيرَ لَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute