اجْتَمَعَتْ مَعَهُ عَسَاكِرُ خُرَاسَانَ وَسَارَ كَتَبَ إِلَى رُكْنِ الدَّوْلَةِ يَتَهَدَّدُهُ بِضُرُوبٍ مِنَ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ، وَيَقُولُ: وَاللَّهِ لَئِنْ ظَفِرْتُ بِكَ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ وَلَأَصْنَعَنَّ، بِأَلْفَاظٍ قَبِيحَةٍ، فَلَمْ يَتَجَاسَرِ الْكَاتِبُ أَنْ يَقْرَأَهُ، فَأَخَذَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ فَقَرَأَهُ وَقَالَ لِلْكَاتِبِ: اكْتُبْ إِلَيْهِ: أَمَّا جَمْعُكَ وَأَحْشَادُكَ فَمَا كُنْتَ قَطُّ أَهْوَنَ مِنْكَ عَلَيَّ الْآنَ، وَأَمَّا تَهْدِيدُكَ وَإِيعَادُكَ فَوَاللَّهِ لَئِنْ ظَفِرْتُ بِكَ لَأُعَامِلَنَّكَ بِضِدِّهِ، وَلَأُحْسِنَنَّ إِلَيْكَ وَلَأُكْرِمَنَّكَ، فَلَقِيَ وَشْمَكِيرُ سُوءَ نِيَّتِهِ، وَلَقِيَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ حُسْنَ نِيَّتِهِ.
وَكَانَ بِطَبَرِسْتَانَ عَدُوٌّ لِرُكْنِ الدَّوْلَةِ يُقَالُ لَهُ نُوحُ بْنُ نَصْرٍ، شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لَهُ، لَا يَزَالُ يَجْمَعُ لَهُ وَيَقْصِدُ أَطْرَافَ بِلَادِهِ، فَمَاتَ الْآنَ، وَعَصَى عَلَيْهِ بِهَمَذَانَ إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْهَمَذَانِيُّ لَمَّا رَأَى خُرُوجَ عَسَاكِرِ خُرَاسَانَ، وَأَظْهَرَ الْعِصْيَانَ، فَلَمَّا أَتَاهُ خَبَرُ مَوْتِ وَشْمَكِيرَ مَاتَ لِوَقْتِهِ، وَكَفَى اللَّهُ رُكْنَ الدَّوْلَةِ هَمَّ الْجَمِيعِ.
ذِكْرُ الْقَبْضِ عَلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَبَضَ أَبُو تَغْلِبَ بْنُ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ عَلَى أَبِيهِ، وَحَبَسَهُ فِي الْقَلْعَةِ، لَيْلَةَ السَّبْتِ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى.
وَكَانَ سَبَبُ قَبْضِهِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ كَبُرَ وَسَاءَتْ أَخْلَاقُهُ، وَضَيَّقَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَخَالَفَهُمْ فِي أَغْرَاضِهِمْ لِلْمَصْلَحَةِ، فَضَجِرُوا مِنْهُ.
وَكَانَ فِيمَا خَالَفَهُمْ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ عَزَمَ أَوْلَادُهُ عَلَى قَصْدِ الْعِرَاقِ وَأَخْذِهِ مِنْ بَخْتِيَارَ، فَنَهَاهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: إِنْ مُعِزَّ الدَّوْلَةِ قَدْ خَلَّفَ مَالًا يَسْتَظْهِرُ بِهِ ابْنُهُ عَلَيْكُمْ، فَاصْبِرُوا حَتَّى يُفَرِّقَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَالِ، ثُمَّ اقْصُدُوهُ وَفَرِّقُوا الْأَمْوَالَ، فَإِنَّكُمْ تَظْفَرُونَ بِهِ لَا مَحَالَةَ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ أَبُو تَغْلِبَ، فَقَبَضَهُ، وَرَفَعَهُ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَوَكَّلَ بِهِ مَنْ يَخْدِمُهُ، (وَيَقُومُ بِحَاجَاتِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ) .
فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ خَالَفَهُ بَعْضُ إِخْوَتِهِ، وَانْتَشَرَ أَمْرُهُمُ الَّذِي كَانَ يَجْمَعُهُمْ، وَصَارَ قُصَارَاهُمْ حِفْظَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَاحْتَاجَ أَبُو تَغْلِبَ إِلَى مُدَارَاةِ عِزِّ الدَّوْلَةِ بَخْتِيَارَ، وَتَجْدِيدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute