ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَأْمَنُوا إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَكْرَمَهُمْ وَوَصَلَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُهُ تَبَاعُدَ مَابَيْنَ الْحَالَيْنِ تَأَلَّبُوا عَلَيْهِ وَفَارَقُوهُ مُتَسَلِّلِينَ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَأَتَاهُ مِنْهُمْ فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ نَحْوُ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، فَبَقِيَ فِي خَاصَّتِهِ، وَفَارَقَهُ مُعْظَمُ عَسْكَرِهِ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَخَذَ أَمْوَالَهُ وَأَهْلَهُ وَسَارَ بِهِمْ نَحْوَ بُخَارَى لَا يَلْوِي عَلَى شَيْءٍ، وَسَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ إِلَى كَرْمَانَ فَاسْتَوَى عَلَيْهَا وَمَلَكَهَا وَأَخَذَ مَا بِهَا مِنْ أَمْوَالِ آلِ إِلْيَاسَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَقْطَعَهَا وَلَدَهُ أَبَا الْفَوَارِسِ، وَهُوَ الَّذِي لُقِّبَ بَعْدَ ذَلِكَ شَرَفَ الدَّوْلَةِ، وَمَلَكَ الْعِرَاقَ، وَاسْتَخْلَفَ، عَلَيْهَا كُورْتِكِينَ بْنَ جَسْتَانَ، وَعَادَ إِلَى فَارِسَ وَرَاسَلَهُ صَاحِبُ سِجِسْتَانَ، وَخَطَبَ لَهُ بِهَا، وَكَانَ هَذَا أَيْضًا مِنَ الْوَهْنِ عَلَى بَنِي سَامَانَ وَمِمَّا طَرَقَ الطَّمَعَ فِيهِمْ.
وَأَمَّا إِلْيَسَعُ فَإِنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَى بُخَارَى أَكْرَمَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَصَارَ يَذُمُّ أَهْلَ سَامَانَ فِي قُعُودِهِمْ عَنْ نَصْرِهِ، وَإِعَادَتِهِ إِلَى مُلْكِهِ، فَنُفِيَ عَنْ بُخَارَى إِلَى خُوَارَزْمَ.
وَبَلَغَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ سِيمْجُورَ خَبَرُهُ، فَقَصَدَ مَالَهُ وَأَثْقَالَهُ، وَكَانَ خَلْفَهَا بِبَعْضِ نَوَاحِي خُرَاسَانَ، فَاسْتَوْلَى عَلَى ذَلِكَ جَمِيعِهِ، وَأَصَابَ إِلْيَسَعَ رَمَدٌ شَدِيدٌ بِخُوَارَزْمَ، فَأَقْلَقَهُ، فَحَمَلَهُ الضَّجَرُ وَعَدَمُ السَّعَادَةِ إِلَى أَنْ قَلَعَ عَيْنَهُ الرَّمِدَةَ بِيَدِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ هَلَاكِهِ، وَلَمْ يَعُدْ لِآلِ إِلْيَاسَ بِكَرْمَانَ دَوْلَةٌ، وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ لِشُؤْمِ عِصْيَانِ وَالِدِهِ وَثَمَرَةِ عُقُوقِهِ.
ذِكْرُ قَتْلِ أَبِي فِرَاسِ بْنِ حَمْدَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، قُتِلَ أَبُو فِرَاسِ بْنُ أَبِي الْعَلَاءِ سَعِيدِ بْنِ حَمْدَانَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا بِحِمْصَ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي الْمَعَالِي (بْنِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ وَحْشَةٌ، فَطَلَبَهُ أَبُو الْمَعَالِي) ، فَانْحَازَ أَبُو فِرَاسٍ إِلَى صَدَدَ، وَهِيَ قَرْيَةٌ فِي طَرَفِ الْبَرِّيَّةِ عِنْدَ حِمْصَ، فَجَمَعَ أَبُو الْمَعَالِي الْأَعْرَابَ مِنْ بَنِي كِلَابٍ وَغَيْرِهِمْ، وَسَيَّرَهُمْ فِي طَلَبِهِ مَعَ قَرْغَوَيْهِ، فَأَدْرَكَهُ بِصَدَدَ، فَكَبَسُوهُ، فَاسْتَأْمَنَ أَصْحَابَهُ، وَاخْتَلَطَ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute