ذِكْرُ مُلْكِ عَسْكَرِ الْمُعِزِّ دِمَشْقَ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الشَّامِ
لَمَّا اسْتَقَرَّ جَوْهَرٌ بِمِصْرَ، وَثَبَّتَ قَدَمَهُ، سَيَّرَ جَعْفَرَ بْنَ فَلَاحٍ الْكُتَامِيَّ إِلَى الشَّامِ فِي جَمْعٍ كَبِيرٍ، فَبَلَغَ الرَّمْلَةَ، وَبِهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طُغُجَ، فَقَاتَلَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمَا حُرُوبٌ كَانَ الظَّفَرُ فِيهَا لِجَعْفَرِ بْنِ فَلَاحٍ، وَأُسِرَ ابْنُ طُغُجَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْقُوَّادِ فَسَيَّرَهُمْ إِلَى جَوْهَرٍ، وَسَيَّرَهُمْ جَوْهَرٌ إِلَى الْمُعِزِّ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَدَخَلَ ابْنُ الْفَلَاحِ الْبَلَدَ عَنْوَةً، فَقَتَلَ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ أَمَّنَ مَنْ بَقِيَ، وَجَبَى الْخَرَاجَ وَسَارَ إِلَى طَبَرِيَّةَ، فَرَأَى ابْنَ مُلْهَمٍ قَدْ أَقَامَ الدَّعْوَةَ لِلْمُعِزِّ لِدِينِ اللَّهِ، فَسَارَ عَنْهَا إِلَى دِمَشْقَ، فَقَاتَلَهُ أَهْلُهَا، فَظَفِرَ بِهِمْ وَمَلَكَ الْبَلَدَ، وَنَهَبَ بَعْضَهُ وَكَفَّ عَنِ الْبَاقِي، وَأَقَامَ الْخُطْبَةَ لِلْمُعِزِّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَيَّامٍ خَلَتْ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] وَقُطِعَتِ الْخُطْبَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ.
وَكَانَ بِدِمَشْقَ الشَّرِيفُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي يَعْلَى الْهَاشِمِيُّ، وَكَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، نَافِذَ الْحُكْمِ فِي أَهْلِهَا، فَجَمَعَ أَحْدَاثَهَا وَمَنْ يُرِيدُ الْفِتْنَةَ، فَثَارَ بِهِمْ فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَبْطَلَ الْخُطْبَةَ لِلْمُعِزِّ لِدِينِ اللَّهِ وَأَعَادَ خُطْبَةَ الْمُطِيعِ لِلَّهِ. وَلَبِسَ السَّوَادَ وَعَادَ إِلَى دَارِهِ، فَقَاتَلَهُ جَعْفَرُ بْنُ فَلَاحٍ وَمَنْ مَعَهُ قِتَالًا شَدِيدًا، وَصَبَرَ أَهْلُ دِمَشْقَ، ثُمَّ افْتَرَقُوا آخِرَ النَّهَارِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ تَزَاحَفَ الْفَرِيقَانِ وَاقْتَتَلُوا وَنَشَبَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا، وَكَثُرَ الْقَتْلَى مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَدَامَ الْقِتَالُ، فَعَادَ عَسْكَرُ دِمَشْقَ مُنْهَزِمِينَ وَالشَّرِيفُ بْنُ أَبِي يَعْلَى مُقِيمٌ عَلَى بَابِ الْبَلَدِ يُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالصَّبْرِ.
وَوَاصَلَ الْمَغَارِبَةُ الْحَمَلَاتِ عَلَى الدَّمَاشِقَةِ حَتَّى أَلْجَئُوهُمْ إِلَى بَابِ الْبَلَدِ، وَوَصَلَ الْمَغَارِبَةُ إِلَى قَصْرِ حَجَّاجٍ، وَنَهَبُوا مَا وَجَدُوا، فَلَمَّا رَأَى ابْنُ أَبِي يَعْلَى (الْهَاشِمِيَّ وَالْأَحْدَاثَ مَا) لَقِيَ النَّاسُ مِنَ الْمَغَارِبَةِ خَرَجُوا مِنَ الْبِلَادِ لَيْلًا، فَأَصْبَحَ النَّاسُ حَيَارَى، فَدَخَلَ الشَّرِيفُ الْجَعْفَرِيُّ، وَكَانَ خَرَجَ مِنَ الْبَلَدِ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ فَلَاحٍ فِي الصُّلْحِ، فَأَعَادَهُ وَأَمَرَهُ بِتَسْكِينِ النَّاسِ وَتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ، وَوَعْدِهِمْ بِالْجَمِيلِ، فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ، وَتَقَدَّمَ إِلَى الْجُنْدِ وَالْعَامَّةِ بِلُزُومِ مَنَازِلِهِمْ، وَأَنْ لَا يَخْرُجُوا مِنْهَا إِلَى أَنْ يَدْخُلَ جَعْفَرُ بْنُ فَلَاحٍ الْبَلَدَ وَيَطُوفَ فِيهِ وَيَعُودَ إِلَى عَسْكَرِهِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute