فَلَمَّا دَخَلَ الْمَغَارِبَةُ الْبَلَدَ عَاثُوا فِيهِ، وَنَهَبُوا قُطْرًا مِنْهُ، فَثَارَ النَّاسُ، وَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ فِيهِمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ جَمَاعَةً، وَشَرَعُوا فِي تَحْصِينِ الْبَلَدِ وَحَفْرِ الْخَنَادِقِ، وَعَزَمُوا عَلَى اصْطِلَاءِ الْحَرْبِ، وَبَذْلِ النُّفُوسِ فِي الْحِفْظِ، وَأَحْجَمَتِ الْمَغَارِبَةُ عَنْهُمْ، وَمَشَى النَّاسُ إِلَى الشَّرِيفِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي يَعْلَى، فَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَسْعَى فِيمَا يَعُودُ بِصَلَاحِ الْحَالِ، فَفَعَلَ، وَدَبَّرَ الْحَالَ إِلَى أَنْ تَقَرَّرَ الصُّلْحُ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِسِتَّ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَكَانَ الْحَرِيقُ قَدْ أَتَى عَلَى عِدَّةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الدُّورِ وَقْتَ الْحَرْبِ.
وَدَخَلَ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ جَعْفَرُ بْنُ فَلَاحٍ الْبَلَدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ وَسَكَّنَهُمْ وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ، وَقَبَضَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَقَبَضَ عَلَى الشَّرِيفِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي يَعْلَى الْهَاشِمِيِّ الْمَذْكُورِ، وَسَيَّرَهُ إِلَى مِصْرَ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُ دِمَشْقَ.
(وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ) (مِلْكُ ابْنِ الْفَلَاحِ دِمَشْقَ إِلَى آخِرِ السَّنَةِ) ، وَإِنَّمَا قَدَّمْتُهُ لِيَتَّصِلَ خَبَرُ الْمَغَارِبَةِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.
ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَوْلَادِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ وَمَوْتِ أَبِيهِمْ
كَانَ سَبَبُ اخْتِلَافِ أَوْلَادِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ أَنَّهُ كَانَ أَقْطَعَ وَلَدَهُ حَمْدَانَ مَدِينَةَ الرُّحْبَةِ وَمَارِدِينَ وَغَيْرَهُمَا. وَكَانَ أَبُو تَغْلِبَ وَأَبُو الْبَرَكَاتِ وَأُخْتُهُمَا جُمْلَةَ أَوْلَادِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ مِنْ زَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَحْمَدَ الْكُرْدِيَّةِ، وَكَانَتْ مَالِكَةَ أَمْرِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، فَاتَّفَقَتْ مَعَ ابْنِهَا أَبِي تَغْلِبَ، وَقَبَضُوا عَلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَابْتَدَأَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ يُدَبِّرُ فِي الْقَبْضِ عَلَيْهِمْ، فَكَاتَبَ ابْنَهُ حَمْدَانَ يَسْتَدْعِيهِ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَيْهِمْ، فَظَفِرَ أَوْلَادُهُ بِالْكِتَابِ، فَلَمْ يُنْفِذُوهُ، وَخَافُوا أَبَاهُمْ وَحَذِرُوهُ، فَحَمَلَهُمْ خَوْفُهُ عَلَى نَقْلِهِ إِلَى قَلْعَةِ كَوَاشِي.
وَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِحَمْدَانَ، فَعَظُمَ عَلَيْهِ، وَصَارَ عَدُوًّا مُبَايِنًا، وَكَانَ أَشْجَعَهُمْ، وَكَانَ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute