ذِكْرُ قَصْدِ أَبِي الْبَرَكَاتِ بْنِ حَمْدَانَ مَيَّافَارِقِينَ وَانْهِزَامِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ، سَارَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ فِي عَسْكَرِهِ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ، فَأَغْلَقَتْ زَوْجَةُ سَيْفِ الدَّوْلَةِ أَبْوَابَ الْبَلَدِ فِي وَجْهِهِ، وَمَنَعَتْهُ مِنْ دُخُولِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا يَقُولُ: إِنَّنِي مَا قَصَدْتُ إِلَّا الْغُزَاةَ، وَيَطْلُبُ مِنْهَا مَا يَسْتَعِينُ بِهِ، فَاسْتَقَرَّ بَيْنَهُمَا أَنْ تَحْمِلَ إِلَيْهِ مِائَتَيْ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَتُسَلِّمَ إِلَيْهِ قَرَايًا كَانَتْ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ نَصِيبِينَ.
ثُمَّ ظَهَرَ لَهَا أَنَّهُ يَعْمَلُ سِرًّا فِي دُخُولِ الْبَلَدِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى مَنْ مَعَهُ مِنْ غِلْمَانِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ تَقُولُ لَهُمْ: مَا مِنْ حَقِّ مَوْلَاكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا بِحُرَمِهِ وَأَوْلَادِهِ هَذَا، فَنَكَلُوا عَنِ الْقِتَالِ وَالْقَصْدِ، ثُمَّ جَمَعَتْ رَجَّالَةً وَكَبَسَتْ أَبَا الْبَرَكَاتِ لَيْلًا، فَانْهَزَمَ وَنُهِبَ سَوَادُهُ وَعَسْكَرُهُ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغِلْمَانِهِ، فَرَاسَلَهَا: إِنَّنِي لَمْ أَقْصِدْ لِسُوءٍ، فَرَدَّتْ رَدًّا جَمِيلًا، وَأَعَادَتْ إِلَيْهِ بَعْضَ مَا نُهِبَ مِنْهُ، وَحَمَلَتْ إِلَيْهِ مِائَةَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَطْلَقَتِ الْأَسْرَى، فَعَادَ عَنْهَا.
وَكَانَ ابْنُهَا (أَبُو الْمَعَالِي بْنُ) سَيْفِ الدَّوْلَةِ عَلَى حَلَبَ يُقَاتِلُ قَرْغَوَيْهِ غُلَامَ أَبِيهِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، عَاشِرَ الْمُحَرَّمِ، عَمِلَ أَهْلُ بَغْدَاذَ مَا قَدْ صَارَ عَادَةً مِنْ إِغْلَاقِ الْأَسْوَاقِ، وَتَعْطِيلِ الْمَعَاشِ، وَإِظْهَارِ النَّوْحِ وَالْمَأْتَمِ، بِسَبَبِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا.
وَفِيهَا أَرْسَلَ الْقَرَامِطَةُ رُسُلًا إِلَى بَنِي نُمَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ يَدْعُونَهُمْ إِلَى طَاعَتِهِمْ، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ، وَأُخِذَتْ عَلَيْهِمُ الْأَيْمَانُ بِالطَّاعَةِ، وَأَرْسَلَ أَبُو تَغْلِبَ بْنُ حَمْدَانَ إِلَى الْقَرَامِطَةِ بِهَجَرَ هَدَايَا جَمِيلَةً قِيمَتُهَا خَمْسُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَفِيهَا طَلَبَ سَابُورُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْقَرْمَطِيُّ مِنْ أَعْمَامِهِ أَنْ يُسَلِّمُوا الْأَمِيرَ إِلَيْهِ وَالْجَيْشَ، وَذَكَرَ أَنَّ أَبَاهُ عَهِدَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَحَبَسُوهُ فِي دَارِهِ، وَوَكَّلُوا بِهِ، ثُمَّ أُخْرِجَ مَيِّتًا فِي نِصْفِ رَمَضَانَ، فَدُفِنَ وَمُنِعَ أَهْلُهُ مِنَ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ بَعْدَ أُسْبُوعٍ أَنْ يَعْمَلُوا مَا يُرِيدُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute