دُخُولِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى أَبْعَدَتْ مَنْ تُحِبُّ إِبْعَادَهُ، وَاسْتَوْثَقَتْ لِنَفْسِهَا، وَأَذِنَتْ لَهُ وَلِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ فِي دُخُولِ الْبَلَدِ وَأَطْلَقَتْ لَهُمُ الْأَرْزَاقَ، وَبَقِيَتْ حَرَّانُ لَا أَمِيرَ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّ الْخُطْبَةَ فِيهَا لِأَبِي الْمَعَالِي بْنِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ، وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ مُقَدَّمِي أَهْلِهَا يَحْكُمُونَ فِيهَا، وَيُصْلِحُونَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا الْمَعَالِي عَبَرَ الْفُرَاتَ إِلَى الشَّامِ، وَقَصَدَ حَمَاةَ فَأَقَامَ بِهَا، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
ذِكْرُ خُرُوجِ أَبِي خَزَرٍ بِإِفْرِيقِيَّةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ بِإِفْرِيقِيَّةَ أَبُو خَزَرٍ الزَّنَاتِيُّ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ عَظِيمَةٌ مِنَ الْبَرْبَرِ وَالنَّكَارِ، فَخَرَجَ الْمُعِزُّ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ يُرِيدُ قِتَالَهُ، حَتَّى بَلَغَ مَدِينَةَ بَاغَايَةَ، وَكَانَ أَبُو خَزَرٍ قَرِيبًا مِنْهَا، وَهُوَ يُقَاتِلُ نَائِبَ الْمُعِزِّ عَلَيْهَا، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو خَزَرٍ بِقُرْبِ الْمُعِزِّ تَفَرَّقَتْ عَنْهُ جُمُوعُهُ، وَسَارَ الْمُعِزُّ فِي طَلَبِهِ فَسَلَكَ الْأَوْعَارَ، فَعَادَ الْمُعِزُّ وَأَمَرَ أَبَا الْفُتُوحِ يُوسُفَ بُلُكِّينَ بْنَ زِيرِي بِالْمَسِيرِ فِي طَلَبِهِ أَيْنَ سَلَكَ، فَسَارَ فِي أَثَرِهِ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْهِ خَبَرُهُ، وَوَصَلَ الْمُعِزُّ إِلَى مُسْتَقَرِّهِ بِالْمَنْصُورِيَّةِ.
فَلَمَّا كَانَ رَبِيعٌ الْآخِرُ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] وَصَلَ أَبُو خَزَرٍ الْخَارِجِيُّ إِلَى الْمُعِزِّ مُسْتَأْمِنًا، وَيَطْلُبُ الدُّخُولَ فِي طَاعَتِهِ، فَقَبِلَ مِنْهُ الْمُعِزُّ ذَلِكَ وَفَرِحَ بِهِ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ رِزْقًا كَثِيرًا.
وَوَصَلَهُ، عُقَيْبَ هَذِهِ الْحَالِ، كَتَبَ جَوْهَرٌ بِإِقَامَةِ الدَّعْوَةِ لَهُ فِي مِصْرَ وَالشَّامِ، وَيَدْعُوهُ إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْهِ، فَفَرِحَ الْمُعِزُّ فَرَحًا شَدِيدًا أَظْهَرَهُ لِلنَّاسِ كَافَّةً (وَمَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ، فَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ هَانِئٍ الْأَنْدَلُسِيُّ) فَقَالَ: يَقُولُ بَنُو الْعَبَّاسِ قَدْ فُتِحَتْ مِصْرُ فَقُلْ لِبَنِي الْعَبَّاسِ: قَدْ قُضِيَ الْأَمْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute